الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا بالوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها حديثاً أو منذ فترة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه «دنيا الرياضة» عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد، وضيفنا اليوم هو عضو أكاديمية العلوم السياسية في نيويورك، عضو جماعة التأصيل في القاهرة، عضو المنظمة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، والمستشار في اللجنة الخاصة بمجلس الوزراء سابقاً، والكاتب والباحث الإستراتيجي الدكتور أنور عشقي. *عضو أكاديمية العلوم السياسية في نيويورك، عضو جماعة التأصيل في القاهرة، عضو المنظمة العربية الأمريكية لمكافحة العنصرية، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، والمستشار في اللجنة الخاصة بمجلس الوزراء سابقاً، والكاتب والباحث الإستراتيجي الدكتور أنور ماجد عشقي ما الذي يمكن أن يقوله لمعشر الشباب الرياضي؟ - أنتم سفراء لمجتمعكم وأمتكم، فاحرصوا أن تكونوا القدوة والمثل الأعلى لكل شاب وكل مواطن، إنكم على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يؤتى الإسلام من قبلكم ، وإني على يقين من أنكم على مستوى المسؤولية *هل صحيح بأن المكتبات تنتظر منك قريباً كتاباً عن الألعاب الرياضية وأثرها في الفكر الحضاري؟ - نعم لقد عكفت على إصدار كتاب "القيم الفكرية في الألعاب الرياضية "، لقد أخذت الألعاب الرياضية طريقها في التحول نحو ثقافة وقيم، وبشكل خاص في السعودية، لهذا يجب أن نواكب هذه المتغيرات، لكن الكتاب الذي سيصدر لي خلال الشهر المقبل هو "الشريعة الإسلامية والدستور الأمريكي دراسة مقارنة" أظهرت فيه بعض المبادئ والأسس في الشريعة الإسلامية التي أثرت في الدستور الأمريكي. * وما الذي دعاك للخوض في موضوع بعيد عن تخصصك مثل موضوع الرياضة؟ - في الحقيقة أنا باحث، والباحث يتطرق إلى كل ما فيه خدمة للعلم بما يؤثر في نهضة وطنه وأمته، والتخصصات التي كرست نفسي لها ثلاثة: العسكرية والاستراتيجية والقانونية، فالعسكرية علمتني الانضباط، والإستراتيجية علمتني تحديد الأهداف وتوظيف الإمكانات للوصول إليها، والقانونية علمتني أن أبحث عن قواعد الأشياء. * قلت ذات مقال أن لكل أمة سقفاً للنمو فإذا بلغته فإما أن تتداعى أو تنكمش أو تسقط وضربت أمثلة على ذلك فهل ينطبق ما قلته على المنتخب السعودي الكروي آسيوياً إذا ما شبهنا مجازاً الأمم بالمنتخبات الكروية؟ - نعم لكل أمة سقف في تقدمها، وهذا السقف يرتفع وينخفض بقدر ما لديها من قيم، والأمة الإسلامية والعربية غنية بالقيم ، فبقدر ما تلتزم بهذه القيم والمبادئ يرتفع سقفها ، لكن الملوثات الفكرية هي التي تحد من هذا السقف ،ومن أهم هذه الملوثات التعصب، والتطرف، والغلو، وإلغاء الآخر، وأهمها الاعتقاد بأننا على الحق وغيرنا على باطل ، لكن الحوار الحقيقي البناء هو الذي يمحو هذه الملوثات وهذا الأمر ينطبق على الفرد والجماعة، والمنتخب الكروي جماعة ولابد من تحديد هدف نسعى إليه، فالمنتخب يحقق مالم تحققه الكتب والمقررات والقرارات، ومن أهم هذه الأمور فإننا نجد المنتخب الكروي يوثق الوحدة الوطنية، لأن كل فئات المجتمع تسعى إلى تشجيعه فتتحد مواقفها. وكرة القدم والمنتخب يعلمنا أهمية العمل الجماعي والتنظيمي وبالتالي ينعكس على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية ،خصوصاً وأننا ننتقل من مرحلة الشركات العائلية إلى الشركات المساهمية، ومن الانتماء إلى الشخص إلى الانتماء إلى التنظيم. الحوار الحقيقي يمحو الملوثات.. والألعاب أخذت طريقها للتحول إلى ثقافة وقيم * وإلى أية حالة من الحالات التي ذكرتها برأيك وصل حال المنتخب السعودي؟ - وصل حال المنتخب السعودي إلى السقف الواطي، ولابد من رفع هذا السقف عن طريق الثثقيف وبث الروح التنافسية، ووضع هدف إستراتيجي لهم وخطة متكاملة تقوم على مراحل زمنية تراجع سنوياً وتدرس ماذا تحقق منها، وهذا يتطلب توظيف الإمكانات توظيفاً جيداً، وتوطين الشعور بالمسؤولية لدى أفراد الفريق وغيره من الفرق السعودية، فالكرة لم تعد لهواً ولعباً ولابد من التحرر من هذه المفاهيم. * بِيْن مزايين الإبل وصخب بعض القنوات الرياضية المتعصبة وقنوات الشعر الشعبي كيف يمكن لنا كتابة تاريخ "وطن أخضر كبير"؟ - يجب أن لا نفسر الأمور تفسيراً سلبياً، بل يجب أن ننظر إلى السلبيات والإيجابيات، فإذا تخلصنا من العصبية والتعصب في المزايين والقنوات الرياضية فإننا سنحصل على الإيجابيات، فالنبي صلى الله عليه وسلم قسَّم الخندق بين القبائل ليوجد التنافس بعيداً عن العصبية، فتحققت معجزة حفر الخندق، إذ تم حفره خلال أسبوع وبلغ من الطول خمسة أميال، وفي الحروب كان يوزعهم حسب القبائل، حتى لا تؤتى الهزيمة من قبلهم ، فكان المسلمون يُنتصرون في كل مناسبة، ومزايين الإبل أثرت في القبائل حتى شعرت أنها جزء هام من هذا الكيان ، كما أن القبائل العربية التي تفرقت عبر التاريخ في الدول العربية ومن حولها أعادت انتماءها إلى الأصل القبلي في السعودية، مما يعزز مكانة المملكة ويوحد الأمة، ويحقق مزيداً من الأمن فيها، والقبلي يخشى على سمعة قبيلته، وهذا ما يمنعه من ارتكاب الجرائم والمخالفات حتى لا ينبذ في مجتمعه، ولعل ذلك كان أسباب انتصار السعودية على الإرهاب وعودة بعض الذين خرجوا على الجماعة بسبب الأفكار الضالة. * الانتصارات الوطنية الرياضية كيف نخرجها من إطار "الإنشاء" و"دوران" الشباب بالسيارة إلى نقطة التلاقي بين أرواحنا وسواعدنا وعقولنا من جهة وجذور الوطن من جهة أخرى ؟ - على الجهات المسؤولة عن الرياضة أن تحول الرياضة إلى عمل وطني، وذلك من خلال تثقيف أفراد الفرق عن طريق المحاضرات والحوارات، فالولايات المتحدةالأمريكية مجتمع مفكك بسبب الأقليات، فجعلت من الرياضة عملاً وطنياً ووحدت فيه جميع أبناء الوطن ، فالأقليات لديها ولاءان: ولاء للدولة التي قدموا منها وولاء لأمريكا ، والرياضة وحسن توظيفها أسهما في جعل الولاء لأمريكا، لهذا نجد أن أبناء الدول الأجنبية من الأمريكيين يذهبون لقتال دولهم الأم التي جاؤوا منها. * البعض حذر من الانجراف خلف الرياضة، هل يعتقد معاليكم أننا بحاجة لكل هذا المنسوب من الحذر الساخن ونحن نرغب في النمو والنماء وتحقيق المنجزات ؟ - الذين حذروا من الانجراف خلف الرياضة لديهم العذر ، لأنهم وجدوا أن الرياضة لم تتمكن من الارتقاء إلى المثل التي يجب أن تكون عليها، لكن الأفضل هو أن الذين حذروا من الانجراف خلفها أن يُبّصروا الرياضيين بأهمية الرياضة لمجتمعهم ودينهم ووحدتهم ووطنهم. * إذا كان من أهم أركان الوسطية البعد عن التصنيف وما يجره من أحكام مسبقة فمن أين أتت مسميات مثل "ليبرالي – إسلامي – تنويري – علماني – تكفيري – هلالي – نصراوي والمصطلحات المناطقية والعرقية" وهل نحن شعب مهووس بالفعل بمبدأ التصنيف الذي يعزز الفكر الإقصائي؟ - الإنسان يمر في طريقه إلى التأصيل والوسطية بمراحل ثلاث: المرحلة الأولى هي مرحلة التجميع وهي القراءة والبحث عن المعرفة وخلال هذه المرحلة يعتقد المثقف أنه أصبح عالماً بكل شيء، لكن الصورة تظل مشوشة ولم تتضح أمامه، فلا يوجد تفسيراً لكثير مما حوله، بعدها يرتقي إلى مرحلة التقليد فيأخذ بإمام أو عالم أو مفكر ويسير خلفه وهذه المرحلة التي نعيش فيها اليوم، لأن البعض يعتقد أن الإمام هو الوحيد على الصح والباقي على الخطأ أو أن المدرس الفلاني أفهم من غيره، وهذه المرحلة تتسم بالتعصب وهي التي نعيشها اليوم، ومن خصائص هذه المرحلة التصنيف لأنه لا يرى غير ما ينتمي إليه، وهذه مرحلة خطيرة إذا ظللنا أسرى لها فإن إفرازات كثيرة ستحدث من جرائها، ولابد أن ننتقل إلى محلة التأصيل وهي أن نقرأ هنا وهناك وأن نتحاور مع الجميع وأن نتقبل الآخر وأن نوجد فكراً مستقلاً، فوجود الليبرالي والإسلامي والعلماني والشيعي والسني ظاهرة صحية، لأنها تتطلب قبول الآخر كما تفرض التعددية، وبالحوار نصل إلى الأفضل، لكن الحوار يجب أن لا يكون للانتصار للرأي، فالله عز وجل يعلمنا وهو يعلم أننا على الحق أن نقول للآخرين في الحوار "إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " وهذا هو مفتاح الحوار، وهو ما يجعل الجميع ينتمون إلى دين واحد ووطن واحد، علينا أن نحب الذين يعارضوننا أكثر من الذين يقفون معنا،لأننا نتعلم منهم أخطاءنا، فهم الذين يكشفون لنا العيوب لنصححها وهذه ميزة التعددية في المجتمع وهذا هو الطريق إلى الوسطية. * سؤال ربما يراه البعض تقليدياً، ولكن نود أن تجيبنا عليه؛ سواء في الاقتصاد أو الثقافة أو حتى في الرياضة من أين تؤكل الكتف ؟ - بالانعتاق من ثقافة الاستهلاك والتوجه نحو ثقافة الإبداع نستطيع الوصول إلى أهدافنا، فنحن مجتمع مستهلك للسلع الاقتصادية والفكرية والرياضية فعلينا أن نبدع. * أحد المفكرين السعوديين أكد على أن المبادئ لا تنشر ذاتها بل تحتاج لمن ينشرها، ومبدأ "العقل السليم في الجسم السليم" نشأنا عليه للأسف رغم خطأه، فكم من شخصية عبقرية لا تمتلك جسداً سليماً !! نريد منك مبدأً رياضياً صحيحاً لنشره بين الرياضيين؟ - الأمثال ليست بالضرورة أن تكون من المسلمات، لهذا يجب أن لا نأخذها على عموميتها، فمثلاً المدخن الذي يقول : من قال بأن التدخين يصيب بالسرطان، انظر إلى فلان الذي بلغ الثمانين فهو يدخن، لكن الإنسان إذا مارس الرياضة وهو مفكر فلا شك بأنه يزداد فكراً وتحصيلاً، أما الذين أصيبوا بعاهات فإن الله عز وجل يعوضهم بإرادة قوية تمكنهم من عمل المعجزات، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمارس الرياضة حتى في سوق المدينة حيث كان يسابق عائشة، وصارع ركانة في الجاهلية فصرعه، وكان الصحابة يمتازون برياضة الفروسية وتعلم صلى الله عليه وسلم العوم في بئر الأنصار بالمدينة، وانشنتاين كان يمشي نصف ساعة في اليوم، فالمبدأ الرياضي الصحيح "أن لا يدخل جوفك إلا حسن ولا يدخل عقلك إلا حسن ولا يدخل قلبك إلا حسن وترفّع عن الرزايا وخالق الناس بخلق حسن" * بمعيار النسبة المئوية ما نصيب الرياضة من اهتماماتك؟ - ساعة في اليوم ما بين المشي والتمارين السويدية، وهذا ما تبقى لي بعد أن كنت ألعب التنس الأرضي والحديد، لأني دخلت مرحلة الرياضة الفكرية والروحية، حتى وأنا أمشي لابد أن اقرأ خلالها من كتاب الله وما تيسر من الدعاء. * أي الألوان تراه يشكل الغالبية السائدة في منزلك؟ - الألوان الفاتحة، لأنها تشرح الصدر، فلقد وجدت معظم المنازل التي تحمل ألواناً داكنة ومساحات ضيقة، تنعكس على نفسية الأسرة، فالحوائط الكثيرة في المنزل هي بمثابة حواجز نفسية علينا أن نجعل بيوتنا متعة لأنفسنا وأبنائنا. *بين القمر والشمس هل هناك ثمة مكان لميولك؟ - بين القمر والشمس حرف الواو وهو الوفاء وهو ما أميل إليه وأحرص عليه، فالإنسان يجب أن يكون وفياً لدينه وفياً لنفسه، وفياً مع الآخرين، وحتى مع الكفار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يكن وفياً مع الكفار لما حرص على دعوتهم لينقلهم من الظلمات إلى النور، فعلينا أن نكون أوفياء عندها نتخلص من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،ونرى وقتها الشمس شمساً والقمر قمراً. * متى كانت آخر زيارة لك للملاعب الرياضية؟ - منذ أن امتهنت الرياضة الفكرية توقفت عن زيارة الملاعب الرياضية، مع أني التحقت بعد تخرجي من الكلية الحربية بدورة التربية البدنية وقدت فريق الخرج في الدوري الأول للقوات المسلحة ونظمت مباراة دولية وأشرفت على تنفيذها. * البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها؟ - أشهرها في وجه كل من يتنكر لدينه ووطنه، لكني لا أجعلها نهاية المطاف بل أسعى جهدي إلى إصلاحه مع أني على يقين بما قاله سبحانه وتعالى "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" فالله عز وجل لم يقل لن تهدي بل قال "لا" لأن لن للتأبيد وليست للتأقيت، فباب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة. * ولمن توجه البطاقة الصفراء؟ - لكل من يخطئ ويصر على خطأه ،لأن البطاقة الصفراء تقتضي الإنذار حتى لا يمعن المخطئ في غيه ،وهذا من حق كل إنسان على أخيه الإنسان. * لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارة منزلك؟ - لكل الرياضيين الذين يؤمنون بقيم الرياضة ورسالتها.