عادت حركات الإسلام السياسي إلى الواجهة من جديد وهي التي تعرضت للنفي والحظر في دول تنص دساتيرها على علمانية الدولة. وشكلت الثورات العربية في تونس ومصر نقطة تحول في التعاطي السياسي في هذين البلدين. وعاد المنفيون وأصبح التصريح بالانتماء لتلك الجماعة مطلباً بعد ان كان تهمة ترمي بصاحبها في سجون النظام. الحركات الإسلامية تحظى بقاعدة جماهيرية.. وستخسر الكثير إذا لم تلب طموحات الشعوب «الإخوان المسلمون» تعلموا من فشل تجربتي السودان وإيران وعليهم الاستفادة من التجربة التركية مع اختلاف التسميات تظل مرجعة الحركات الاسلامية المعتبرة في المنطقة العربية خصوصاً في كل من مصر وتونس هي الإخوان المسلمين حيث تحظى هذه الجماعة بتاريخ في تونس حيث يعود دخول التيار الإسلامي السياسة في تونس إلى عام 1968. وقاد تشكيل النواة راشد الغنوشي الذي ترأس ما يعرف بحزب النهضة. في الجانب الآخر يبدو ان الحركة في مصر اكثر نضوجاً وتمرساً فهي «بلد المنشأ»، والقاعدة الجماهيرية التي تحظى بها «الاخوانية» هناك لا يمكن الاستهانة بها، حيث خاضت انتخابات 2005 واكتسحت بشكل مرعب مقاعد البرلمان، لولا ان تدارك النظام السابق الامر واحتفظ بالاغلبية. فهل ستشكل الثورات العربية نقطة بداية جديدة لهذه الحركات من اجل الانخراط في العمل السياسي وسد ثغرة أحزاب ربما يراها الجمهور عاجزة وهي التي استسلمت للأنظمة السابقة، ولم تكن مصدراً للثورة. بالرغم من ان الحركات الاسلامية كانت جزءا من المشهد السياسي لكنها كانت محجوبة إلى حد ما. هنا تطرح «الرياض» عددا من الاسئلة حول عودة الاسلام السياسي ومستقبل الحركات الاسلامية وطموحاتها وفرص تقديم نفسها للجمهور. مع عدد من الخبراء والباحثين في تاريخ حركات الاسلام السياسي والمنطقة العربية. يوضح في حديثه ل»الرياض» الدكتور ناثن براون زميل مركز كارنيغي أن الإسلام السياسي لم يغب عن الساحة ألبتة حتى يعود. فالثورات التي حدثت سمحت بانفراجات للحركات الإسلامية. ولكن هذه الثورات ليست حول الإسلام ولهذا يتعين على الحركات الإسلامية العمل لإظهار ملاءمتها وقدرتها على تحقيق المكاسب الشعبية. أما الدكتور بيهر تيمو الباحث في مركز الشؤون الدولية الفنلدي فيعتقد ان الاسلام السياسي قد عاد وأنه من المحتمل ان يلعب دوراً سياسياً أهم في المستقبل في بعض الدول. مضيفاً مع هذا يظل «الإسلام السياسي» بمثابة ظاهرة شديدة التنوع والتعدد وسوف يظل الأمر كذلك. فعلى سبيل المثال فضلاً عن الإخوان المسلمين هنالك الأحزاب السلفية والمجموعات الأخرى التي تضطلع حاليا بدور في مصر... هذه المجموعات المختلفة في تنافس مع بعضها البعض. مشيراً إلى أنه وبالرغم من ذلك يبدو أن من الوارد أن الثورات سوف ترغم الأحزاب الإسلامية على التكيف مع الظروف المستجدة والمطالب الجديدة. منبهاً إلى ان إخفاقها في ذلك ربما يلحقها بالنظام السياسي الذي أطاحت به الثورة واقتلعته. وفي هذه الحالة فإن نهضة الإسلام السياسي قد تظل ظاهرة قصيرة جداً. لكن الدكتور رضوان مسعود رئيس مركز الاسلام والديموقراطية الاميركي فيرى أن ما يعرف ب»الاسلام السياسي» قد تغير كثيراً في العشرين سنة الماضية. وأن الإخوان المسلمين في مصر قد وعوا الدرس من تجربة السودان وإيران الفاشلة (ناهيك عن أفغانستان وباكستان) فالإسلام لا يمكن فرضه بالقوة. مضيفاً: دور الدولة (في الإسلام) ليس فرض الدين على الناس لأنه ليس هناك إكراه في الدين. فدور الدولة يشمل خدمة وحماية الأمة والمواطنين وتوفير أفضل الخدمات لكل مواطن بغض النظر عن دينه، ولندع مسألة نشر الدعوة والدين للعلماء والمتطوعين وللتنظيمات وأن ترفع الدولة يدها فلا تتدخل في هذا الأمر. مشيراً إلى أنه إذا تطورت الحركة الإسلامية في هذا الاتجاه مثلما فعل حزب الرفاه والعدالة في تركيا فان مستقبلا باهرا سيكون في انتظارها أي (الحركة السياسية الإسلامية) وبخلاف ذلك سينفض الناس من حولها وستفقد دعمها وستحتل موقعاً هامشياً في الأنظمة الديمقراطية الجديدة التي ستحكم العالم العربي. يتحدث ل»الرياض» الدكتور بيهر تيمو الباحث في معهد الشؤون الدولية الفنلندي عن الفرصة التي تحظى بها الحركات الاسلامية في المنطقة العربية للمشاركة في العملية الديموقراطية. فيشير إلى أن الثورات العربية سوف تسمح بالفعل للأحزاب الإسلامية بالمشاركة بمزيد من الانفتاح في العملية السياسية، موضحاً أنه يتوقع أن تضطلع الأحزاب الإسلامية بدور مهم في أي حكومة ليبية أو سورية مستقبلية إذا كان هنالك تحول سياسي حقيقي وانتخابات حرة. وأضاف الدكتور تيمو: بما أن الأحزاب الإسلامية هي في العادة عبارة عن تنظيمات جيدة التنظيم ومتماسكة فإن من الوارد أن تستفيد من الانتخابات الحرة لا سيما في ظل الضعف الذي يعتري القوى السياسية الأخرى في مصر وتونس على سبيل المثال. وتتفق مع وجهة النظر هذه رئيسة مركز ستيمسون ايلين ليبسون التي تؤكد أن هناك مساحة واسعة للمنافسة في تونس ومصر كما أن الفرصة ستكون متاحة أمام الأحزاب الإسلامية لتقديم نفسها وطرح أفكارها على الجمهور. أما الدكتور ناثن براون زميل مركز كارنيغي للسلام الدولي فيشير إلى أن بلدان كمصر وتونس، رفعت القيود القديمة. وفي مصر تمكن الإخوان المسلمون من تقديم رؤيتهم ولكنهم لم يتمكنوا من اكتساب الشرعية التي تحمي وتنظم هذه الرؤية، لكن هذا مصيره التغيير. أما في تونس فالوضع سيئ والتغيير أكثر دراماتيكية. في هذا الجانب يؤكد بشدة الدكتور رضوان مسعود رئيس مركز السلام والديموقراطية الأميركي أن أداء الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية جيد جداً في الديمقراطيات الوليدة في المنطقة العربية. وهذه الحركات والأحزاب لديها شعبية جارفة ويظل الإسلام مكونا مهماً في ثقافة وتقاليد العرب والمسلمين في أنحاء العالم. لكن ماهي أبرز التحديات التي تواجهها حركات الاسلام السياسي في المنطقة العربية في هذه المرحلة التاريخية؟. يرى الدكتور رضوان أن التحدي أمامها سيكون مقدرتها في تطوير جدول أعمال سياسي واقتصادي وبرنامج لا يضمن لها فقط التأييد لفترة طويلة من الوقت ولكن يساعد أيضاً في تطوير اوطانها وحل مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتحديات التي تواجه مجتمعاتها. ويضيف الدكتور مسعود «إذا لم يكن لها برامج واقعية وعملية فوراً فسوف يؤثر ذلك سلباً على شعبيتها التي ستضعف سريعاً جداً ويمكن ان تنتهز الأحزاب الأخرى الفرصة لتبرز وتقدم نفسها وتتولى حل المشكلات والتحديات في هذه البلدان». أما ايلين ليبسون من مركز ستيمسون فترى أن التحدي الماثل أمام الأحزاب الإسلامية يكمن في قدرتها على إدراك حقائق الحكم والإدارة وفي الوقت ذاته توفير الخدمات. لكن زميل مركز كارنيغي الدكتور ناثن بروان يرى ان التحديّ «القوي» هو في قدرة حركة الإخوان المسلمين أن تأخذ قراراً بشأن بُنية الحزب وعلاقته بتنظيم الإخوان المسلمين. مضيفاً: وحيث إن الإخوان المسلمين يصرون على أن اهتمامهم يفوق الاهتمام بالسياسة فان مسألة إنشاء حزب لهم لن يكون بالمهمة السهلة. معتبراً أن خطوة إنشاء حزب سياسي «إخواني» بالخطوة التي أجلت كثيرا.. قائلاً قرار الإخوان المسلمين في مصر إنشاء حزب سياسي ليس جديداً فقد قرروا التحرك في هذا الاتجاه قبل عقدين ولكنهم في الوقت ذاته قرروا الانتظار حتى يحين الوقت المناسب. ويصف الدكتور بيهر تيمو الباحث في معهد الشؤون الدولية الفنلندي الخطوة التي اقدم عليها الاخوان المسلمون في مصر بإنشاء حزب سياسي بالتطور الطبيعي في سياق الأوضاع الراهنة وينبغي أن يحظى بالترحيب. إن حقيقة أن الحزب سوف ينافس فقط على نصف مقاعد البرلمان، وسوف لن يقدم مرشحاً لمنصب الرئيس تشير إلى أن الإخوان المسلمين لا يتطلعون إلى الهيمنة على المشهد السياسي المصري، على الأقل في المرحلة الحالية. يتفق مع هذا الرأي الدكتور رضوان مسعود الذي يرى أن الإخوان المسلمين في مصر سيبلون بلاءً حسناً ومن المحتمل أن يحققوا نتائج طيبة وسيحصلون على 30 إلى 40 بالمائة من الأصوات ويشكلون بذلك أكبر حزب سياسي في مصر. وتنضم رئيسة مركز ستيمسون ايلين ليبسون في رأيها إلى زملائها الدكتور رضوان و تيمو بيهر باعتبار أن هذه الأحزاب تفضل أن تكون أحزاب أقلية او معارضة لبعض الوقت وأن يقف بها طموحها عند هذا الحد ولا تسعى لأن تكون حزب أغلبية أو حزب حاكم. وهذا ما يقوله الإسلاميون في تونس. يلفت الدكتور بيهر إلى أن المشاركة السياسية تعني أن «الإخوان» في مصر سيكون من المطلوب منهم تقديم بعض التنازلات أو الدخول في مساومات قد تتطلب بعض التغيير في أهدافهم المقررة وتطلعاتهم كحركة اجتماعية. وهو الأمر الذي يراه الدكتور رضوان مسعود رئيس مركز الاسلام والديموقراطية الاميركي بأن المصريين يتطلعون إلى حلول واقعية وحقيقية ولن يقبلوا بشعارات مثل» الإسلام هو الحل» وأن من المهم للإخوان المسلمين تكوين حزب سياسي ومن ثم فصل الحزب عن الأنشطة الدعوية والدينية للتنظيم. الدكتور ناثن براون زميل مركز كارنيغي للسلام الدولي رئيسة مركز ستيمسون الين ليبسون الدكتور رضوان مسعود رئيس مركز الإسلام والديموقراطية الأميركي الدكتور بيهر تيمو الباحث في معهد الشؤون الدولية الفنلندي