خرج مثلث الصين، روسيا، الهند من قوائم التأثير في السياسة العالمية لتحتكر أوروبا وأمريكا الشأن الدولي، وتضيع معادلة التوازن في السياسات لكن الاختلال الاقتصادي جاء كمعيار لقوة التأثير والذي صار هدفاً استراتيجياً للصين عندما أخذت بدبلوماسية السلعة كوقاء عن أي تأخر ما ساعد الأمريكان والأوروبيين في السيادة على العالم سياسياً منتظرة القفزة الكبرى بعد أن تؤمن وطنها بمداخيل ترفع مستوى الفرد إلى مستوى الطبقات الوسطى في العالم المتقدم ومحيطها الآسيوي، الذي سيكون ميدان تحركها ومجالها الحيوي والسياسي.. روسيا انكفأت على نفسها بعد النهايات غير السعيدة للاتحاد السوفياتي، فهي قوة عسكرية هائلة ولكنها دولة متوسطة في مجال التأثير الاقتصادي رغم ما تمتلكه من إمكانات توازي أمريكا من حيث التنوع البيئي والثروات المختلفة، إلا أن الخلل في التخطيط، واستثمار موجوداتها أبقاها مجرد عضو في مجلس الأمن لا يقوم باتخاذ قرار الاعتراض إلا في حالات لا تعطيه حجمه المهم كلاعب في الميادين الأكثر حيوية.. الهند دخلت عضوية دول عدم الانحياز، وظلت أكثر قرباً من العالم الثالث إلا أنها في خضم ثورتها الاقتصادية الأخيرة فضلت أن تبقى طرفاً محايداً، وإن ظلت عيناها مفتوحتين على الجار الصيني المفزع بتناميه وتطلعاته المجهولة، ومع ذلك باتت اللعبة في صناعة تحالفات مع أمريكا رهانها الجديد، لكن جارتها باكستان المستريبة من تنامي قوتها العسكرية والاقتصادية، والتي لا تطمئن إلى تحالفها مع أمريكا، تتجه إلى الجار الصيني لتعادل القوة الأمريكية بشرقية صينية.. نحن في المنطقة العربية نذهب بعواطفنا مع دول مناصرة لمكافحة الاستعمار وعدم الانحياز بينما نخضع، بإرادتنا، وبدونها، إلى أوروبا وأمريكا، وقد رأينا كيف تداخلتا في أوضاعنا المستجدة، بكل قوة فخضع العراق للاحتلال، وليبيا للحرب، وتونس ومصر للمراقبة الدقيقة، وكذلك اليمن وسورية، بينما لم نسمع صوتاً روسيّاً أو آسيوياً يلقي بثقله باتجاه تلك الأحداث، أو إرسال مبعوثين لاستطلاع الواقع، ولو بصفة مجاملة ما أضاف ذلك للغرب بعداً في التأثير العملي قبل السياسي، والعرب سياستهم العامة غير ثابتة ما أفقدهم وزنهم الطبيعي كلاعبين أذكياء في المناورات، سواء بما هو ثابت ومتآكل مثل القضية الفلسطينية، أو ما يجري على الساحة العامة سواء الثورات المتصاعدة في بعض الدول، أو الأخرى المستقرة، وتفرُّد الغرب بقضايانا مبعثه أننا أمة بلا بوصلة فكل اتجاهاتنا تقوم على ردود الأفعال لا السياسات المقننة برؤى المستقبل، ولذلك فقد تكون دول إقليمية مثل تركيا وإسرائيل، وإيران أكثر تأثيراً على أوضاعنا التي لا نفهم كيف نديرها ونتعامل معها..