شاركت مؤخراً في «الملتقى الاداري الثالث» الذي نظمته الجمعية السعودية للادارة تحت شعار «ادارة التغيير ومتطلبات التطوير في العمل الاداري» والذي عقد في مدينة جدة، وتميز بنوعيته وثراء الجلسات التي اشتمل عليها الملتقى، اذ بلغت الجلسات اثنتى عشرة جلسة بالاضافة الى عدة ورش تدريبية تناولت عدة مواضيع تتعلق بإدارة التغيير، تحدث فيه خبراء من عدة جهات من القطاع العام والخاص من داخل وخارج المملكة. والجمعية السعودية للادارة، التابعة لجامعة الملك سعود احدى مؤسسات المجتمع المدني القائمة على جهود الاخوة في الجمعية وهم افراد متطوعون، وهذه الجمعية تساهم في نشر الثقافة الادارية في المجتمع وتعزيز الفكر والوعي الاداري الحديث في المملكة والمنتظر ان تتلقى دعم ومساندة جميع الجهات من القطاع العام والخاص لكي تتمكن من تحقيق اهدافها فهي رغم حداثة عمرها فقد عملت وتعمل بجهد بارز، ولن تتمكن من تحقيق اهدافها المرجوة الا بالدعم والتشجيع المستمر، كما ان المرحلة الراهنة التي تمر بها المملكة احوج ما تكون الى تأسيس فكر اداري حديث للتغلب على المصاعب والتحديات التي تواجهها المملكة، واعتقد ان معالجة العديد من الصعوبات والعوائق التي تواجهها المملكة، والتي منشؤها سوء الادارة يبدأ اولاً من ادراك اهمية الادارة وعلومها وفنونها. فالدول الصناعية ادركت اهمية الادارة منذ عدة عقود خلت واولتها اهمية خاصة مكنتها من تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية. يقول مؤسس علم الادارة الحديث Peter Druker ان «الادارة تعكس الروح الاساسية للعصر الحديث فهي تعد عضو المجتمع الذي بإمكانه جعل كافة الموارد منتجة وتساهم بالتالي في تطور الاقتصاد المنظم». وهنالك مفارقة جديرة بالدراسة وهي ان المجتمعات الصناعية ادركت اهمية التنمية البشرية قبل التنمية الاقتصادية، فالعنصر البشري هو عماد واساس التنمية قبل اي شيء آخر حيث ركزت على تعليم وتأهيل العنصر البشري اولاً وبعد ذلك دخلت في عملية التنمية الاقتصادية، بينما في المملكة وبعض الدول النامية تم البدء في التركيز على برامج التنمية الاقتصادية اولاً، واعتقد ان هذا خطأ استراتيجياً ربما تكون تبعاته ما تعاني منه المملكة وبعض الدول النامية من معوقات وتحديات تنموية. وكأحد الامثلة على النظرة الادارية المختلفة بيننا وبين الدول الصناعية المتقدمة، فإن الكفاءة والجدارة هي معيار تقييم الموظف وليس الاستمزاج الشخصي، كما ان الدورات التدريبية يأخذها الموظف في القطاعين العام والخاص في الدول الصناعية مهما علا شأنه في السلم الاداري وحتى يتقاعد، اما عندنا فالمسؤول الاداري الكبير يغرق في كومة من المعاملات والاوراق ولن يجد وقتاً يفكر فيه في مستقبل شركته او وزارته، والمفارقة بيننا وبين اليابان مثلاً في هذا السياق ان المسؤول الاداري في اليابان كلما ارتقى ادارياً وخاصة في المناصب التنفيذية الكبرى يتم تخفيف المسؤوليات الادارية عليه حتى يجد وقتاً يفكر ويخطط فيه لمستقبل (Vision) الجهة او الشركة التي يعمل فيها. ولا غرو ان حسن ادارة الموارد بأنواعها المختلفة هو الوصفة السحرية لنجاح العمل الاداري ولعل اكبر مثال على النجاح الاداري هو شركة LG الكورية فقبل نحو خمسة عشر عاماً خلت لم يكن احد يسمع بهذه الشركة والآن يتجاوز دخلها السنوي ما يعادل ميزانيات عدة دول، كما ان اكبر مثل على الفشل الاداري ما جرى لشركة «انرون» الامريكية. ومن جانب آخر فإن ادارة التغيير لها اهمية كبيرة في المملكة التي تسعى الى الاصلاح الاداري، يتمثل ذلك في قرارات اللجنة العليا للاصلاح الاداري والتي كان من ابرز قراراتها دمج بعض القطاعات التابعة لوزارات في وزارات أخرى واستحداث وزارات جديدة وغير ذلك، كما ان انتخابات المجالس البلدية مثال آخر على اهمية ادارة التغيير في بلادنا. هذا على مستوى القطاع الحكومي، اما القطاع الخاص فهو مقبل على تحديات جديدة تتعلق بإدارة التغيير خاصة ان المملكة على وشك الدخول في عضوية منظمة التجارة العالمية. ان علم الادارة بما فيه ادارة التغيير هو المفتاح الرئيسي لعلاج العديد من التحديات التي نواجهها، وان نلحق بالركب متأخرين خير من التخلف عن الركب، وكما قال Druker في كتابه «The Practice Of Management» (ان بناء أي اقتصاد منتج يتوقف بالدرجة الاولى على كفاءة الادارة، وحسن الاداء الاداري). كما ان على خبراء الادارة في المملكة خاصة وفي العالم العربي اجمالاً الاستفادة من الدول التي سبقتنا في علوم الادارة، وتطويع او اعادة صياغة هذه النظريات والعلوم الادارية وبما يتناسب مع البيئة المحلية، ولعل اكبر مثال على ذلك التجربة اليابانية فيما يخص TQM وتعني ادارة الجودة الكاملة والتي نجحت في اليابان نجاحاً لافتاً. وختاماً، نحن في المملكة نحتاج الى تأسيس فكر اداري حديث وصحوة ادارية، تلغي الممارسات والعقلية الادارية البالية التي عفا عليها الزمن. [email protected] ٭ عضو الجمعية الدولية للإعلام