أم دحيم من أوائل مستخدمات خدمة البلاك بيري أو البي بي كما يطلق عليها محبوها، و "أم دحيم" تحرص على جهازها بل إنها تعلقه في رقبتها بسلسال ذهبي خوفا من أن تنساه هنا وهناك، ولجوالها إكسسوارات كثيرة، ملونة تتغير بتغير المزاج ويتزامن لونها وموضتها مع لون الكومبيوتر المحمول الذي يشغلها في معظم الوقت، كما أنها لا تقتصر في تواصلها مع مالكي بلاك بيري فقط بل إنها تستخدم خدمة "الواتس أب" التي تتيح لها التواصل مع حاملي "الآيفون"، فأم دحيم نسيج اجتماعي متفرد! وأنت لا يمكنك أن تجلس خمس ثوان معها من دون أن تقوم هي بالاطلاع على رسالة وصلتها أو "برودكاست" أطلق عبر الموجات لتبتسم أو تلتفت إليك قائلة عندي الخبر الأكيد، فهي تعرف أسماء الشخصيات الموقوفة على هامش أحداث جدة - أو هكذا تعتقد- وتؤكد لك التفاصيل السرية لمقتل بن لادن والتي لا يعرف عنها حتى "أوباما"، وتعرف خط سير القذافي في مخبئه حيث هو، وأخبار الوسط الفني وأسعار الذهب...وتنبؤات النصف الأخير من عام 2011م الحافل بالكثير. كما أنها قد تريك صورة لتعميم وزاري أو أمر تنظيمي داخلي في إحدى المؤسسات تم تحميله على الشبكة وتدواله عبر الخدمات المختلفة من انترنت وجوال وغيرها. أم دحيم متواصلة مع التقنية، فهي تعرف جيدا كيفية الهروب من "عفوا الموقع غير متاح"، لأنها تريد أن تتابع كل الأخبار والمواقع ذات العلاقة باهتماماتها الاجتماعية والسياسية - حتى لا يروح ذهنكم لبعيد ولا يأخذنا سوء الظن الذي يبدو أنه سمة لهذا العصر- قد ترون أن أم دحيم هي امتداد لوكالة يقولون، لكنها وكالة أنباء عصرية وصاحبة رأي وفكر، قد تذكركم في شخصيتها بالكارتون القديم "اسألوا لبيبة"، فهي تتحدث عن بركان آيسلند الخامد الذي غطت عليه براكين تونس ومصر وليبيا وسوريا وكأنها عالم جيولوجي قضى عمره مطاردا الصخور والأتربة، وتحدثكم عن نقص الخدمات الطبية وسوء حالة كثير من مستشفياتنا المحلية، وتأتي بالأمثلة من تجارب دول أخرى، وحلول لمشاكل صحية كثيرة، والتي تجعلك تفكر في اختيارها كرئيس لإحدى لجان منظمة الصحة العالمية. كما أنها قد تحتد في أحد تعليقاتها الانترنتية أو الجوالية كردة فعل لخبر محلي أزعجتها تفاصيله أو خبر عالمي تشم فيه رائحة المؤامرة. فالكل في نظرها لديه أجندة خفية يجب أن ننظر إليهم بعين الريبة حتى يثبت العكس. لأم دحيم موقف واضح من الفساد المالي والإداري تراه في كثير من تعليقاتها وفي أحاديثها مع الصديقات والجارات في جلسة "كبتشينو أو موكاتشينو" صباحية أو حين يتجمعن في آخر الأسبوع في استراحة أو في مطعم أو حتى في "حوش" عفوا أقصد حديقة إحدى الجارات وهن يقضمن حبات السمبوسة وحلى القهوة، ويتحدثن عن الأسعار في سوق الخضار وعن مافيا العمالة المحلية التي تستغل مواسم رمضان لترفع أسعارها و عناد السائق الذي يصيبهن بالشلل حين يرفض العمل، كما يتحدثن عن آخر إشاعات المجتمع وأخبار الدنيا وما تناقلته العربية وما قالته الجزيرة وما ظهر في البي بي سي أو السي إن إن وهي تتابع الأخبار حول هذه القضايا بجدية، ولديها مصادرها الخاصة فقد نسيت أن أخبركم أنها لا تعترف بالصحافة مقارنة بالمواقع الشبكية الأكثر ديناميكية في نظرها. فأخبار الصحافة بايتة ولغتها ليس فيها لون ولا طعم ولا رائحة! "أم دحيم" مثال حي لعصر ما بعد المعلومة، فهي ورغم سنوات عمرها التي تجاوزت الستين بقليل، تعلمت التواصل باستخدام الأدوات التقنية الحديثة ولم تقف مكانك سر، تقلب في محطات راديو ياباني الصنع بحثا عن نغمة برنامجها المفضل، كما أنها أصبحت عضوا فعالا إيجابيا مشاركا في "الجروبات الجوالية المختلفة"، وفي المواقع الشبكية المختلفة برأي أو خبر أو معلومة أو إشاعة أو تحليل منطقي أو حتى غير محايد، ويمكننا أن نشير إلى مشاركتها الفعالة في نشر المقطع المصور للوزير الذي رغم مشاغله قابل المهندسين المشاغبين واستمع لهم بصدر رحب! -بين قوسين هذه ليست كلماتها طبعا، لكنني أحب أوضح لكم أنني من فئة بس الساس ومن خاف سلم لذلك لن أضع تعليقها المصاحب لمقطع الفيديو ولن أحاول أن أصف الموقف كما شاهدتموه- وهي أيضا من المتابعات لأخبار المقاولات المحلية والشركات إياها التي تسهم في دفع مسيرة النهضة العمرانية والتي تحفر في حارتنا كل يوم والثاني، ومرة أخرى هذا ليس تعليقها بل إنه تعليقي الذي يدخل في دائرة ابعد عن المشاكل وغني لها. "أم دحيم" تستحق أن نتابعها وربما نحسدها، فهي لن تواجه التخوين ولن تتهم بالعمالة أو بأنها من المستجيرين بالسفارات، ولن تنشغل بمحاولة انتقاء كلماتها حتى لا "تمخش خاطر" سائق الوزير أو مساعد المدير أو حامي حمى الإدارة. أم دحيم....إنها امرأة المستقبل.