المقالان الأخيران اللذان كتبتهما كانا تحت عنواني: حملة «عنفني وبفضحك»، و«الماسنجر» وأشياء أخرى. وهذا المقال «البي بي» هو امتداد للأول الذي كتبت فيه عن العنف الأسري، وأشرت إلى حملات «الفيس بوك»، والثاني الذي تحدثت فيه عن «الكبت» وأشرت إلى «الماسنجر» والمعاكسين فيه. وكانت المقدمة للمقالات الثلاثة هي أن مجتمعنا يتغير، على مستويات عدة، وأن وسائل الاتصالات «تنتهك» خصوصيته، وتزيل حواجز كثيرة كانت مفروضة على تواصل أفراده، قلة أولئك الذين يلاحظون التغييرات الاجتماعية الجذرية، التي تطرأ عليه بسبب وسائل الاتصالات. ويندر أن نقرأ بحثاً سوسيولوجياً رصيناً، عن تأثير تلك الوسائل في مجتمعنا من دون غيره، لأن خصوصية مجتمعنا، لا تشبه برأينا خصوصية غيره من المجتمعات. لم أقل جديداً حتى الآن، ماذا عن «البي بي» (البلاك بيري وترجمته التوت الأسود)؟ وما أدراك ما «البي بي»؟! قرأت موضوعاً الأسبوع الماضي في هذه الصفحة «مرأة»، للزميل مشاري الشدوي، عنوان الموضوع لافت: (نساء ال«بلاك بيري» في المراكز التجارية مثل «رؤوس النعام»). سأنقل من مقدمة الموضوع بتصرف – والمسموحة من كاتب الموضوع: «اعتاد مرتادو المراكز العامة والتجارية، خصوصاً الأسواق، أن يشاهدوا بعض الفتيات والنساء يقمن بتوزيع النظرات يمنة ويسرة منتقدين ذلك الشاب الذي يرتدي القميص «البرتقالي» أو تلك الفتاة التي تتباهى بحذائها ذي اللون «الأحمر الصارخ»، أو تسريحة عامل بأحد المحال، إضافة إلى انتقادهن بعض البضائع التي لا تروق لهن، لكن الحال لأولئك «البعض» اختلف أخيراً، فأصبح المتسوقون يرون تلك الفئة من الفتيات يسرن وهن حانيات الرأس، وعندما تشاهد فتاة «مطأطئة» رأسها في المراكز التجارية خلال سيرها فلا تظن ذلك حياءً، تمهل فربما تكون مشغولة بإرسال رسالة «دردشة» من «البلاك بيري»، أو بعبارة أخرى «تدردش» مع أصدقائها – ربما كانوا فتيات، أحسنوا النية – «البعيدين القريبين في الوقت ذاته». وما قد تلاحظه أيضاً، بحسب موضوع الشدوي، وبعد ظاهرة «البي بي» (البلاك بيري)، «فتيات يرافقن امهاتهن، منذ وقت دخولهن المعرض وحتى خروجهن لا ينظرن إلا في هاتفهن الخلوي ورؤوسهن إلى الأسفل دائماً وكأنهن نعام»... وهم بذلك بحسب رأيي «سوسيولوجياً» يعبرن عن امتعاضهن من دخول معرض لا يهوين فيه شيئاً ولا ناقة لهم فيه ولا جمل، وربما كن يجهلن أنهن يمتعضن، لكن هذا لسان حالهن، خصوصاً إذا كانت أمهاتهن من النوع الذي يرفضن ان تنطلق الفتيات لوحدهن في الأسواق بينما تنطلق الأمهات لوحدهن. طبعاً، هذه الظاهرة، لا تقف عند حد الأسواق، والسيارات، بينما يسوق السائق أو الأب أو الأخ، بل أيضاً والعائلة مجتمعة حول التلفزيون أو في الصالة لمجرد الاجتماع، ستجد من يكون منزوياً «مطأطئاً» رأسه، يكتب في «البي بي». عصير الكلام «البي بي»، ليس ظاهرة «تافهة» أو «ساذجة»، بل هي فعلاً حال اجتماعية تستحق التأمل، ويمكن الخروج منها بنظريات بل ودرس «أوجاع مجتمعنا» عبرها، ولعلي أختم بالإشارة إلى أن معشر «البي بي» من الفتيات، يرسلن رسائل تصنفهن حتى مثل تلك الرسالة التي تصنف أنواع بنات 2010 في البلاك بيري، مع وصف للشخصية وهن: «السامجة»، «الثقيلة»، «المطوعة»، «المتفلسفة»، «الغبية»، «الفقيرة»، «اللصقة». [email protected]