لم أزر ليبيا في حياتي ، ولا أعرف عنها أكثر مما يعرفه أي تلميذ درس جغرافيا الوطن العربي في المرحلة الابتدائية .. عدا تاريخ عمر المختار ومقاومته البطولية للاستعمار الإيطالي ، ومعاركه المظفرة مع غراتسياني ، ولعل الفضل في هذا يعود تحديدا للراحل الكبير .. المخرج العالمي مصطفى العقاد رحمه الله ، وفيلمه الشهير ، والأداء المبهر للثنائي العالمي أنتوني كوين، وإيرين باباس .. قرأت بعض أعمال الروائي الليبي إبراهيم الكوني فتلبستني الصحراء حتى أوشكت أن أعتقد أنني أقرأ الأرض التي أمشي عليها ، فقط هو الصادق النيهوم الذي عشقت بعض تهويماته وتأملاته .. لكنني لا أعرف أكثر من هذا .. إلا بعض أفانين وتقليعات العقيد وشطحاته الشهيرة التي روى جزءاً منها الراحل الكبير أيضا الدكتور :غازي القصيبي رحمه الله في كتابه الوزير المرافق . بدأت عملية (فجر الأوديسا) وهي التسمية الأمريكية للحرب ضد نظام العقيد ، والتي أثارت الكثير من الجدل حول مناسبة اختيارها ، ومعنى نبش تلك الملاحم الأسطورية لجرجرة بعض مفاصلها الحالمة كعنوان لحرب دامية ، فتشت عن ولاية فزان بين تلك الأسماء التي يتداولها الإعلام يوميا إلى جانب ولايتي برقة وطرابلس ، والتي درستها مثل غيري في الابتدائية .. فلم أعثر لها على أثر ، ونسيت أن العقيد الجماهيري الذي بدّل اسم إحدى البلدات بمدينة البنود الخمسة ، لن يستعصي عليه اسم هذه الولاية .. لكنني في المقابل أصبحت أعرف جغرافية ليبيا .. أو الساحل الليبي على الأقل (شبر شبر ، زنقه زنقه ، دار دار) ، حتى قوس النصر الذي يقع على مشارف رأس لانوف.. أجدابيا ، والبريقة وبن جواد والعقيلة والزنتان ومصراته والزاوية وغيرها .. كلها جاءت فوق البيعة في هذا الدرس من الجغرافيا الذي كتب ب (ألم) رصاص ، وليس بقلم رصاص ، وغمس في محبرة من دم الليبيين ، فيما لم يُقصّر اللواء الزيات المستشار العسكري لقناة الجزيرة ، في إدخالنا إلى هذه الجغرافيا كما لو كنا ندوس ثراها (رملة رملة) . صحيح أن الحدث هو الذي يصنع الجغرافيا ، لذلك لا أتمنى أن أتعرف على جغرافيا أي بلد عربي بمثل هذه الطريقة .. رغم غزارة المعلومات التي توفرها تاريخا وجغرافيا ، فقط كنت أتمنى لو استطاعت مناهجنا أن توفر مثل هذا الزخم من المعلومات لوطننا العربي على الأقل بدون فجر الأوديسا ، ولا مغرب الإلياذه !!..