لم يعد الإعلام الجديد هامشاً للتسلية. بل بات يؤثر في أحداث الناس، مهيمناً على مستويات الوعي الذي يعيشونه؛ حتى تحولت العلاقة بين «القنوات الفضائية» ووسائل «التواصل الاجتماعي» إلى علاقة جدلية. صار من السهل عليك أن تضيف رؤساء دول على حسابك في «التويتر» أو «الفيسبوك». يغدو حسابك هو المصدر الرئيسي للأخبار التي تتقاطر على العالم من كل صوب. تضيف رئيساً مثل: باراك أوباما، أو فاعلين اجتماعيين مثل: محمد البرادعي، أو الإعلامية الأميركية أوبرا، أو وزراء خارجية مثل وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة. يكتبون من خلال أجهزتهم الذكية، «بلاك بيري» أو «آيفون» أو «آيباد» ما يجول في خواطرهم، أو ما يستجد على الساحة من أحداثٍ إقليمية أو عالمية. وزير خارجية البحرين في 13 نيسان/ إبريل كتب على صفحته في «تويتر»:»في رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، دول مجلس التعاون تطلب إلغاء القمة العربية المزمع عقدها في العراق»؛ هذه الرسالة الصغيرة التي لا تتجاوز حروفها 140 حرفاً تناقلتها وسائل الإعلام بوصفها مصدراً لا يقبل الجدل، ومن بين من اعتبرها مصدراً موقع CNN. بمعنىً آخر؛ هذه المواقع صارت مصادر للإعلام بقدر ما أن الإعلام بات مصدراً لمواقع التواصل الاجتماعي. كان الإعلام في السابق ينقل الحدث القائم على الأرض، أما اليوم فهو يحرك الحدث ويشعل شرارته، كان الإعلام وسيلةً للفرجة والاطلاع، لكنه اليوم وسيلة للتغيير، صار الفرد في المجتمع شريكاً في صناعة الإعلام. الكثير من الصور التي تتداولها القنوات صوّرها أناس بسطاء في جوالاتهم العادية التي بين أيديهم لكنها شرّقت وغرّبت وهزت العالم. وفي إحصائية نشرت مؤخراً جاء فيها:» أن السعوديين في المرتبة الأولى عربياً من حيث استخدام مواقع الفيديو، وذكرت أنهم يشاهدون يوميا ما يزيد على 36 مليون مقطع فيديو على الموقع الشهير اليوتيوب، وبمعدل 150 مليون دقيقة يقضيها المستخدمون على الشبكة العنكبوتية، وتتنوع المشاهدة ما بين المقاطع الترفيهية والرياضية والشخصية والتوثيقية». إحدى المميزات التي اتخذتها القنوات الفضائية -منذ ازدهارها كوسيلةٍ إخباريةٍ أولى- أنها لم تتنكر لصرعات التقنية التي تتجدد، بل اتخذت من الانترنت مساحةً لتمديد حضورها، من خلال تخصيص مواقع خاصةٍ بها، وجعلت من تلك المواقع شريكة في صناعة الخبر وصياغته، وتوثيق البرامج وتوفيرها في المواقع، والمتجوّل في موقعٍ متجدد ومتطور كموقع: «العربية. نت» تأسره التحديثات اللحظية التي يوفرها الموقع لمتابعيه، حتى إن بعض البرامج تتوفر على الموقع بعد بثها بساعات، أما التقارير المصورة فسرعان ما تكون على الصفحة الرئيسية بعد بث التقرير بدقائق قليلة، هذا التزامن والدخول في عمق الموجة مما يحُمد للقنوات الفضائية، وهي اليوم تدخل على: «الفيسبوك» و»تويتر» مؤمنةً بضرورة تكثيف الحضور فيها؛ حيث يحضر في «تويتر» أكثر من 145 مليون مستخدم، وفي إحصائياتٍ متفاوتة يقدر عدد المستخدمين ل»فيسبوك» أكثر من 500 مليون إنسان! ليس بمستغربٍ أن يطلق إريك ميغريه الباحث في «سوسيولوجيا الاتصال ووسائل الإعلام» على زلزال الانترنت الكبير اسم «الديمقراطية الإلكترونية» المتضمنة أصوات المجتمع وآراءه في الأحداث التي تجري. إنها الديمقراطية الافتراضية التي تهيئ للجميع سبل التعبير، لكن الحرية التي تمنحها تلك المواقع من الضروري أن تكون مصحوبةً بالمسؤولية، ذلك أن المتطرفين والأصوليين والعابثين يحاولون استغلال ذلك الهامش الكبير لضرب قيمة الحرية وجمالها. إن هذه الديمقراطية المتوفرة لكل فردٍ على جهازه المحمول تعني ضرورة الامتثال لشروط الحرية، وأن يكون بالفعل وسيلةً لإكمال دور الإعلام الجديد بكل تطوره. كل مظاهر التحوّل التي يشهدها الإعلام بين قديمه وجديده تدل على نتيجةٍ واحدة، أن وسائل الإعلام تتجه نحو التكامل، وآية ذلك، أن القنوات الفضائية انصاعت لمستجدات التقنية، ووضعت مواقعها وقنواتها على الأجهزة الذكية ببثها المباشر، وتداخلت أنهار التعابير والأخبار، لتشكل ساقيةً واحدة، والرهان اليوم على تقبل الثقافات لهذا النوع من المد الكوني الإعلامي الجديد ... أتمنى أن ننجح في ذلك ... أتمنى!