** تألمتُ كثيراً.. وأنا أقرأ خبر نقل الرئيس المصري السابق.. والمريض إلى المستشفى العسكري بسجن طرة.. ** وكان ألمي الشديد هذا لأسباب إنسانية وأخلاقية بحتة.. وبعيداً عن الاعتبارات الأخرى.. ** وتألمت أكثر وأنا أستمع قبلها بليلة واحدة إلى «متداخلة» مصرية.. مع قناة أهلية تلفزيونية مصرية أيضاً.. تبدي فيها استياءها البالغ من إحدى المتداخلات اللائي طالبن بالمضي في محاكمة «مبارك» بل و«إعدامه».. لأن طبيعة الشعب المصري.. وقيم الشعب المصري.. وإنسانية الشعب المصري لا تتفق مع هذه الروح الانتقامية «الشرسة» كما وصفتها المتداخلة المصرية «بحرقة».. ** وتألمت أكثر وأكثر.. وأنا أتابع هذا الخلط الشديد بين مسؤولية رئيس الدولة «المباشرة»، وبين مسؤوليته الضمنية عن الأخطاء التي يرتكبها المقربون.. والأعوان.. والمتنفذون في العادة.. مع أن الله سبحانه وتعالى لا يحمل إنساناً بجريرة إنسان آخر.. وإن كان هذا هو منطق الدولة.. ومسؤولية الحاكم في الأنظمة العرفية.. تجاوزاً للحقيقة.. ولمنطق العقل.. ** وما أريد أن أقوله اليوم.. كمواطن عربي.. إضافة إلى كل الاخوة الذين كتبوا عن هذا الموضوع - جزاهم الله خيراً - هو.. أننا أمة كتاب.. وسنّة.. وقِيم.. وأن الاحتكام إلى كتاب الله (أولاً) .. ثم إلى سنّة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام (ثانياً).. ثم إلى قيم المجتمع العربي وأخلاقياته (ثالثاً) كفيلة بأن ترجح كفة العمل الصالح.. والإنجازات الكثيرة الأخرى «للرجل» وتجنبه لبعض الأحكام والمآخذ على أخطاء وممارسات يقع فيها أي حاكم ويتعرض لها أي نظام.. وتصدر عن أي إنسان بشر.. فما بالنا إذا كان هذا الإنسان حاكماً.. واجه الكثير من الضغوط والتوترات طوال فترة حكمه.. وواجه كل ذلك بما يستحق من مواقف وسياسات وقرارات وتصرفات .. هي في أكثرها صائبة.. بمقاييس الظروف.. ظروف المكان.. والزمان.. والأحداث.. والتطورات.. والتهديدات التي تعرضت لها هذه الأمة بشكل عام.. وجمهورية مصر العربية بشكل خاص.. ** إن كل هذه الاعتبارات مجتمعة لو وضعت في كفة.. وأخطاء «الرجل» في كفة أخرى.. وأقصد أخطاءه المباشرة.. وليست أخطاء النظام.. ورموز النظام.. وأدوات النظام.. وعُرض كل هذا على الشعب المصري العربي الأصيل.. فإنه لن يحكم ضده.. ولن يكون قاسياً عليه.. إلى حد المطالبة بمواصلة سجنه.. وإهانته.. ومضاعفة آلامه.. وتدهور حالته الصحية.. لأنني أعرف أن المصريين «نبلاء» وواقعيون.. وأصحاب مروءة.. ويحتفظون للإنسان بالجميل وإن أخطأ.. ويقفون إلى جانب القيم الإنسانية والأخلاقية وإن تعارض حكمها مع أحكام القانون.. لأن حكم القانون لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن قيم المجتمعات.. وفضائلها.. ** وأنا كأي عربي عاش فترة حكم الرؤساء جمال عبدالناصر.. وأنور السادات ومحمد حسني مبارك.. وليس بعيداً عن معرفة تاريخ مصر العريق.. ورجالاتها التاريخيين بدءاً من محمد علي باشا ومروراً بمصطفى كامل.. وسعد زغلول والنقراشي باشا ومحمد نجيب وغيرهم.. أنا أدرك أن مصر.. وشعب مصر.. كانوا باستمرار بلد قيم.. وشعب قيم.. لم يلتفتوا للكثير من الأخطاء والاجتهادات التي وقع فيها حكامهم.. لأنهم يدركون أنهم بشر في النهاية.. وإن ما قدموه لهم يفوق ألف مرة ما وقعوا فيه من أخطاء.. أو أوجه نقص.. أو قصور.. أو ما تسبب فيه أعوانهم.. ورجال حاشيتهم.. وأدوات الحكم المكلفة بإدارة شؤون الدولة من أخطاء.. لتعيش مصر على الدوام بلد محبة.. وأصالة.. وقيم.. ويكفي أن هؤلاء جميعاً قد مضوا.. وابتعدوا عن مواقع السلطة.. وتركوا للبلد من ورائهم ما تركوه بخيره وشره.. ** ولديَّ الثقة المتناهية كعربي.. في أن مصر والمصريين يحملون هذه الروح.. وأنهم يحترمون الرموز.. ويذكرون لهم جوانب الخير.. ويعفون عن كثير.. ويتسامحون وتلك ميزة نادرة فيهم.. ** ولا أعتقد أن رجالات مصر.. وشباب الثورة في مصر.. لا يفكرون الآن بهذه الطريقة.. ما دام أن مصر هي الأبقى.. وما دام أن حقوق المصريين المادية ستسترد.. وما دام أن الكرامة المصرية ستصان.. كي يبدأ الجميع مرحلة جديدة من الحياة.. ومن العمل.. ومن التطلع إلى المستقبل الأجمل بعيداً عن الآلام والجراحات.. والله معهم *** ضمير مستتر: ** (الأقوياء بالقيم.. ينتصرون على أوجه الضعف الإنسانية فيهم.. ويتسامون باستمرار).