قررت وزارة التربية والتعليم دمج إداراتها التي تبلغ (84) إدارة تعليم متناظرة - بنين وبنات - في كافة المناطق والمحافظات وتقليصها إلى (32) إدارة، وستدخل الوزارة في منعطف تحول محفوف ربما بالمتاعب؛ بسبب هذا الدمج، وستشهد الوزارة تحولات جذرية في هيكلة إداراتها الجديدة، مما سيجعل التجربة معرضة للنجاح أو ربما الفشل؛ ولكن الوزارة الآن ترى أنّ الدمج مدروس، ويهدف إلى تعزيز الجودة في الأداء، وتوحيد الجهود وتقليل الهدر المالي والإداري، والحكم عليه يتطلب مزيداً من الوقت. بعض من التقينا بهم - تحتفظ "الرياض" بأسمائهم مع توثيق آرائهم - أكدوا على أن هذه التجربة سبق تطبيقها ولكنها فشلت، والآن تعاد التجربة، ولكن بثوب آخر، ويبقى السؤال: هل دمج إدارات التربية والتعليم ذات الكثافة العالية كجدة والرياض والشرقية ستكون مجدية في وقت تتطلب فيه تلك الإدارات توزيعها لعدد من الإدارات أو المكاتب الإشرافية داخل المنطقة الواحدة؟."تحقيق الرياض" يلقي الضوء على قضية الدمج مع عدد من المؤيدين والمعارضين. عصا سحرية بمفهوم وزارة التربية؛ فإن قرار الدمج يقتضي توحيد إدارات التربية بالمناطق للبنين والبنات، وربط إدارات التربية والتعليم في المحافظات التابعة للمناطق بمدير عام التربية والتعليم في المنطقة وفقاً للهيكل التنظيمي المعتمد لذلك، وربط مكاتب التربية والتعليم في المراكز الإدارية التابعة للمحافظات بمدير إدارة التربية والتعليم في المحافظة وفق الهيكل التنظيمي، وترى الوزارة أن هذا القرار يهدف إلى تطوير الموقف التعليمي بالمدارس وتقويمه لضمان فاعلية الأداء التربوي والتعليمي، ومساعدة الإدارة بالمنطقة على تسهيل تنفيذ خططها وبرامجها الإدارية والمالية والخدمية للمدارس وفروع الإدارة الأخرى. وهذا الهيكل سيسهم كما ترى الوزارة في توحيد الجهود وربط أصر التواصل بين إدارات العموم لكل منطقة وبين إدارات محافظاتها ومكاتبها؛ لتتحد منظومة العمل بشكله الكامل وبجهود الجميع سعياً لخدمة أبنائنا الطلاب، أملاً بمخرجات يانعة تنثر عطاءاتها وإبداعاتها في حياض هذا الوطن الشامخ والذي مافتئت قيادته الحكيمة تبذل الغالي والنفيس من خلال تخصيص الميزانيات الكبيرة للتعليم والرقي بقطاعه وإثراء مجالاته المتعددة. آراء الميدان معلم في إحدى المدارس يقول:"للأسف قرارات الدمج غير صائبة وقد لمسنا نتائجها في الإدارات التي دمجت، فقد ظهرت آثارها فوضى وتسيباً وتدهوراً للتربية والتعليم وخير دليل على ذلك احتضار التعليم في منطقته -كما يراه-"، مناشداً سمو الوزير ومعالي نائبه في تقييم تجارب الدمج بصدق وموضوعية من خلال لجان محايدة، وإجراء استفتاء يشارك فيه نخبة من المتخصصين. معلم آخر في منطقة أخرى، يؤيد المعلم السابق فيقول:"للأسف الشديد تجربة الدمج فاشلة بكل المقاييس، وقد تكررت عدة مرات أيام الوزير د.الرشيد ونائبه د.خضر القرشي، واستمرت أيام الوزير العبيد ونائبيه د.المليص والأمير خالد المقرن، ثم مع نهاية فترتهم أوقفوها، وأعادوا الأمور لسابق عهدها، والسبب ما تكبدته الوزارة من سلبيات يعرفها الوزراء السابقون ونوابهم"، مشيراً إلى أنّ الأمير د.خالد بن مقرن نائب الوزير السابق لشؤون تعليم البنات أوضح بأنها تجربة فاشلة وخلقت للوزارة مشاكل كثيرة، حيث قال الأمير: ليس عيباً أن نتراجع إذا لم ننجح، مضيفاً -هذا المعلم- أنّ الوزارة الآن تعيد التجربة للمرة الثالثة، ولم تستفد من تجارب الوزراء السابقين، فهل نحن بحاجة إلى الهدر المالي وتشتيت الجهود؟. معلمون ومعلمات حكموا عليه بالفشل.. والوزارة ترد: يحقق الجودة ويمنع الازدواجية ويقلل المصاريف دمج التقنية أولاً معلم آخر من الميدان دعا إلى أن يكون الدمج في تقنية المعلومات والاتصالات في كل ما يتعلق بالتعليم لمحاصرة الفجوة التقنية بين الطلاب أنفسهم وبين معلميهم، معللاً أن دمج التقنية في التعليم هو التحدي الذي هو جوهر الإصلاح التربوي المعتمد على التقنية، والهدف الذي نسعى لتحقيقه أن تصبح التقنية -عملية ومنتجاً - وجزءاً لا يتجزأ من بيئة التعلم المدرسية بجميع مكوناتها: المنهج وأساليب التعليم والتعلم والتقويم والإدارة، وما يرتبط بهذه المكونات من مدخلات وعمليات ومخرجات؛ لأنّ دمج التقنية في التعليم أصبح ضرورة ملحة، وذلك لتقليل وردم مسافات الحضارة المادية بيننا وبين الدول المتقدمة، وكذلك للأخذ بأسباب القوة والتي هي بدورها سبب من أسباب بقاء الأمم، مشيراً إلى أنّ دمج الإدارات قبل الدمج المعلوماتي سيجعل التجربة تلحق بسابقاتها؛ لأن الأهم أولاً البدء في تذليل الصعوبات وإزالة العوامل السلبية في المجال التقني فيما بين الطالب ومعلمه، ومن ثم فيما بين إدارات التربية والمركز الرئيس (الوزارة)، وعدم التسرع في تجربة دمج الإدارات؛ لأن ذلك سيؤدي إلى ضعف النتائج، ولأن الميدان كبير ومتنوع والتعميم المتسرع سيضاعف العوامل السلبية والوضع لا يحتمل؛ لأن الخاسر الأول هما محور العملية التعليمية الطالب والطالبة. تباين في الآراء معلم آخر يرى أن الدمج المدروس سيفسح المجال للاستفادة القصوى في المجال التربوي، واستثمار الكفاءات في المراكز القيادية إذا وجدت آلية موضوعية لتحقيق الهدف، وأن لا تبقى القرارات بدون تنفيذ، وعلق آخر: الدمج خطوة موفقة، والمفروض أن يكون ذلك منذ ما يقارب أكثر من عشر سنوات ؛ فقد كانت وزارة المعارف مستقلة عن الرئاسة العامة لتعليم البنات، ثم بدأ الدمج خطوة بخطوة بدمج الوزارتين في مسمى واحد وهو وزارة التربية والتعليم، والآن نسمع عن دمج إدارة التربية والتعليم وهذا سيكون جهداً مضاعفاً وعملاً متواصلاً من قبل المدير العام للتربية والتعليم بأي منطقة تعليمية، وإن شاء الله سيكون هذا القرار في صالح الركيزة الأولى وهم الطالب والطالبة. فيما قلل معلم آخر من فوائد الدمج بقوله: من واقع تجربتي أن هذا الدمج غير مناسب، حيث إننا بدأنا نشتكي من ذلك، وكان المدراء يعانون قبل الدمج فما بالك الآن؟.. فالأمر أصبح لا يطاق، وتحولت معه إدارات التربية إلى حقل تجارب، محذراً من كثرة التجارب الفاشلة التي ستكون عواقبها وخيمة على العملية التعليمية. قرار لا رجعة فيه وأكد الأستاذ "سليمان الزهير" - مدير عام التطوير الإداري بوزارة التربية والتعليم - على أن قرار توحيد الإدارات قرار استراتيجي لا رجعة فيه، موضحاً أن الفرصة متاحة للكفاءات لإدارة الإدارات بعد عملية التوحيد. وقال: إن التوحيد سيفسح المجال للإفادة القصوى في المجال التربوي، واستثمار الكفاءات في المراكز القيادية، وتسديد العجز، ودعم المدارس بالكوادر الفائضة وسهولة المراقبة الإدارية، وتوحيد الصيانة والعقود، وتكامل المباني وتوفير الاحتياج لكلا القطاعين وسهولة التواصل مع إدارات التربية والتعليم والمجتمع. وعبّر عدد من مديري التربية والتعليم بالمناطق عن ارتياحهم لقرار دمج عدد من إدارات للتربية والتعليم للبنين والبنات، مؤكدين على أن القرار سيقلل من الهدر في الوقت والمال لإنجاز المعاملات، كما انه سيزيد من الفعالية في اتخاذ القرار بعيدا عن التعقيدات الروتينية المعتادة. جودة الأداء وأكد "د. راشد الغياض" - الأمين العام لإدارات التربية والتعليم - على أن قرار توحيد إدارات التربية والتعليم يهدف إلى تعزيز الجودة في الأداء، وتوحيد الجهود وتقليل الهدر المالي والإداري، فيما سيشمل الهيكل النظامي للإدارات الكبرى بحسب المدينة مساعداً للشؤون المدرسية، ومساعداً للخدمات المساندة، ومساعداً للشؤون التعليمية للبنين، ومساعدة للشؤون التعليمية للبنات، مضيفاً: أن الوزارة تمضي قدماً نحو اكتمال مشروع توحيد السياسات الإدارية والتعليمية بين تعليمي البنين والبنات، تمهيداً لتوحيد الإدارات في مناطق المملكة الثلاثة عشرة في إدارة عامة واحدة لكل منطقة تقود تعليم البنين والبنات. وقال: إن الوزارة تدرس حالياً توحيد مكاتب التربية والتعليم للبنين والبنات في معظم محافظات المملكة كبداية فعلية للتوحيد النهائي الذي سيصل لإدارات العموم بالمناطق، وهذا التوحيد سيقلل من المركزية الإدارية. وكانت وزارة التربية والتعليم قد أنهت توحيد إجراءات العمل في الإدارات المركزية المتناظرة بجهاز الوزارة كإدارة شؤون المعلمين، والشؤون الإدارية والمالية، وشؤون المباني والإعلام التربوي، وبعض الإدارات الأخرى قبل أن تبدأ بتوحيد إدارات التربية والتعليم في المناطق والمحافظات بصفة تجريبية لتبدأ بعدها عملية التوسع في دمج الإدارات التعليمية . المشروع رقم (1) وسبق لمعالي الأستاذ "فيصل المعمر" - نائب وزير التربية والتعليم- التأكيد على أن الدمج بين الإدارات يعد المشروع رقم (1) في الوزارة خلال السنوات الماضية، لكن المجتمع ربما لم يطلع على تفاصيله؛ لأنه مشروع إداري بصورة بحتة، والهدف (الأول) من هذا المشروع هو رفع الكفاءة، و(الثاني) منع الازدواجية، و(الثالث) إتاحة الفرصة للنساء لإدارة أنفسهن ولقطاعات الوزارة للقيام بعملهم ضمن إطار تنظيمي موحد. وقال: تم مؤخرًا تكوين فريق من الخبراء أطلق عليه اسم (فريق طوارئ)، ومهمته المتابعة اليومية المستمرة لكافة تفاصيل كل الإدارات التي تم توحيدها في المملكة، وهؤلاء الخبراء على أتم استعداد للانطلاق إلى أي إدارة تعليمية لمساعدتها على تجاوز أي عقبة تواجهها، وأكثر من ذلك أن مديري التعليم أنفسهم تحت الملاحظة والمتابعة من وزارة التربية خلال هذه الفترة لمعرفة كيف يستطيعون تنفيذ خطط الوزارة.