كانت ليبيا على مدى عقود بلدا للأسرار الغامضة، فقد كان المظلوم فيها يؤثر الصمت خوفا من التعذيب أو القتل أو لاعتبارات قبلية. أما الآن وبعد أن فقد العقيد القذافي سيطرته على شرق ليبيا فقد بدأ الصندوق الأسود الليبي ينفتح شيئا فشيئا لتظهر منه أهوال. كانت ليبيا بلدا للخوف والصمت، ولا يزال الخوف موجودا لأن قوات العقيد معمر القذافي لا تزال تحاصر عدة مدن حتى بعد شهرين من الصراع بين القذافي والثوار. ولكن هناك شروخا بدأت تظهر على هذا الحاجز من الصمت في شرق ليبيا حيث تولى الثوار السيطرة على المدن هناك. وبدأت قصص عن العنف والبطش والاستبداد والسادية في الظهور، قصص شبيهة بتلك التي وقعت إبان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قصص عن طالب من بنغازي قتل لأنه أدلى أثناء إحدى المحاضرات بتعليق منتقد لشعار القذافي الذي يؤكد فيه على أن السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب. ومن هذه القصص قصة نادي كرة القدم الذي أغلق بسبب خلافات مع نجل القذافي المغرم بكرة القدم، السعدي، وقصة السجناء الذين ظلوا رهن السجن على مدى سنوات و في ظروف بشعة وبدون أن ترفع ضدهم دعوى. في الاطار ذاته قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إن الزعيم الليبي معمر القذافي عزز موقفه في وسط وغرب ليبيا بما يكفي لاستمرار المواجهة بينه وبين المعارضة المسلحة التي تحاول إنهاء حكمه الممتد منذ أربعة عقود الى أجل غير مسمى. وقال مسؤول أمني أوروبي يتابع الأحداث في ليبيا عن كثب "رجال القذافي يشعرون بالثقة تماما". وأضاف أن النتيجة المرجحة هي "تقسيم بحكم الأمر الواقع لفترة طويلة قادمة" بسبب تحسن موقف القذافي وضعف قوات المعارضة المسلحة غير المدربة والتي تحارب بأسلحة متهالكة. وعلى الرغم من الغارات الجوية التي يشنها حلف شمال الأطلسي والخطوات التي تتخذ لتعزيز القوات المناوئة للقذافي فإن وكالات مخابرات أمريكية واوروبية ترى أنه عزز سيطرته على طرابلس ومعظم غرب ليبيا. ويقول بروس ريدل خبير شؤون الشرق الأوسط السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه) إن عدم التوصل الى حل للصراع ربما يمثل مخاطر غير مقبولة على واشنطن وحلفائها. وأضاف "الدخول في حالة جمود في ظل التقسيم بحكم الأمر الواقع يعني جرحا مفتوحا على ساحل البحر المتوسط سيستغله المتشددون.. يجب الا يسمح الزعماء الأمريكيون والأوروبيون بأن يحدث هذا". ويقول ريدل إنه اذا تحقق هذا السيناريو فإنه لا يرى بدائل كثيرة بخلاف إصدار مجلس الأمن التابع للامم المتحدة قرارا جديدا يجيز نشر قوات برية ضد القذافي. وأضاف "قوات القذافي ليست بهذه القوة. ستنتصر قوة محترفة من حلف شمال الأطلسي بسرعة ثم يتم الانتقال الى قوة لتحقيق الاستقرار تابعة للأمم المتحدة تضم فرقا عسكرية من دول إسلامية" مشيرا الى باكستان واندونيسيا وتركيا كمساهمين محتملين في قوة لحفظ السلام.