على امتداد مساحة تقدر بمئات آلاف الكيلومترات المربعة في الصحراء الموريتانية شمال البلاد، يتربص الموت بالإنسان والحيوان، في حقول تختزن مئات آلاف الألغام المنتشرة في شمال وغرب البلاد، على مساحة تقدر بأكثر من 310 آلاف كلم مربع، يناهز عدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة، يصطاد من حين لآخر ضحية بلا نذير سابق، أو شفقة ورحمة، ضحاياه من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أن ظروف عيشهم أرغمتهم على التنقل في تلك المناطق الصحراوية، معظمهم بدو رحل ورعاة ماشية، لا علاقة لهم بالمدينة وضوضائها، والتكنولوجيا وتعقيداتها، ولم يصلهم من فوائدها إلى ألغام فتاكة، تصارعت بها جيوش أنظمة تحركها مطامع ومصالح سياسية، في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ثم اتفق المتحاربون ورحلت الجيوش، مخلفة وراءها حقول ألغام تحصد الأبرياء من السكان المحليين، محولة سكينة تلك الصحراء وهدوءها الذي خبره الآباء والأجداد، إلى حقول موت ونذر هلاك ودمار. موت يصطاد من حين لآخر ضحية من بين سكان المنطقة الذين يصعب عليهم تفادي حقول الموت الألغام، بسبب طبيعة حياتهم التي تعتمد على التنقل خلف مواشيهم بحثا عن الماء والمرعى، وكذلك بسبب عدم وجود مناطق محددة لانتشارها يسهل تفاديها، وفي أحسن الأحوال تكون الإصابات بين قطعان الماشية التي تعتبر العمود الفقري لحياة السكان الرحل، في صحراء مفتوحة لا تعترف بالحدود المصطنعة، لأنهم عاشوا في تلك الأرض الشاسعة يجوبونها طولا وعرضا، ينعمون بخصبها إذا أمرعت، ويصبرون على قحطها إذا أجدبت، يعرفون مرتفعاتها ووهادها، كما يعرفون أبناءهم، يهتدون فيها بالنجم ليلا، وبالحصى نهارا. بدو رحل ورعاة يواجهون الموت بقذائف وقنابل عنقودية مدفونة تحت الأرض لكن تلك الصحراء تحولت ذات يوم إلى ساحة معركة، انقشع غبارها، مخلفا تحت تلك الرمال الزاحفة وعلى بساطها المديد وبين كهوف جبالها الوعرة، كميات كبيرة من الألغام الأرضية والقذائف والقنابل العنقودية والذخيرة التي لم تنفجر، وبقيت في مخابئها تنتظر أن تدوسها قدم عابر سبيل، أو تعبث بها أنامل صبي بريء، أو شخص من سكان الصحراء البسطاء لم يدرك بعد أن الموت قد زرع له في تلك الصحراء. ورغم أن العديد من الخبراء يؤكدون أن المساحات الشاسعة للصحراء الموريتانية، والتناقص المستمر لسكان المنطقة الشمالية منها، بسبب شظف العيش وقساوة الطبيعة، والجفاف الذي ضرب المنطقة في السنوات الماضية ونفوق أعداد كبيرة من المواشي، إضافة إلى هاجس الخوف من تلك الألغام والقنابل التي لم تنفجر، كلها عوامل قد تكون ساهمت في تناقص عدد الإصابات بتلك الألغام والقنابل، ومع ذلك لا يكاد يمر أسبوع أو شهر إلا ويسقط ضحية نتيجة انفجار لغم اختبأ تحت الرمال، أو بين الحشائش والشجيرات القليلة المتناثرة هنا وهناك. انفجار احد ألالغام المدفونة في الصحراء وتقدر المصالح الرسمية الموريتانية ضحايا تلك الألغام التي تم زرعها في المنطقة خلال الحرب التي خاضها الجيش الموريتاني ضد قوات جبهة البوليساريو المدعومة في الفترة ما بين 1974 و1979، بحوالي 350 قتيلا، سقطوا منذ انتهاء الحرب هناك، إضافة إلى 247 جريحا أغلبهم أصيبوا بإعاقات دائمة، كما دمرت الألغام حتى الآن أكثر من 36 سيارة، وقتلت آلافا من قطعان المواشي من الإبل والأغنام. غير أن المشكلة الكبرى التي يعاني منها السكان والسلطات المختصة في مجال مكافحة الألغام بالصحراء الغربية، هي أن وجود هذه الألغام والأجسام المتفجرة، لا يقتصر على حقول ومناطق محددة وفقا لخرائط معلومة المكان يسهل تفاديها، وإنما يوجد الكثير منها في مناطق متفرقة، فهناك أعداد كبيرة من الألغام توجد في مناطق سبق وان أقامت فيها وحدات عسكرية أيام الحروب، حيث عادة ما تحيط هذه الوحدات مقرات إقامتها في الصحراء بالألغام وترحل تاركة وراءها تلك الألغام تنتظر المجهول، وهناك ألغام مضادة للمركبات وأخرى للأفراد، دفنتها وحدات عسكرية وهي تنسحب من ساحة المعركة لعرقلة مطارديها، فبقيت هناك بعد انتهاء المعارك، كما أن عشرات القنابل العنقودية والقذائف التي ألقت بها الطائرات والمركبات العسكرية خلال الحرب ولم تنفجر، تتناثر هي الأخرى على طول الصحراء وعرضها. وتسعى موريتانيا عبر برنامج وطني لإزالة الألغام إلى مواكبة برنامج أطلقته الأممالمتحدة قبل سنوات ويقضي بالوصول إلى "إفريقيا بدون ألغام سنة 2015"، وهو الشعار الذي يقول المسؤولون الموريتانيون إنهم يجهدون لتحقيقه خلال السنوات الأربع القادمة، بغية وتأمين سلامة مواطنيهم من خطر حقول الموت المنتشرة في تلك الصحراء. وقد أنشأت موريتانيا هيئة رسمية سنة 2000 تعنى بعمليات نزع الألغام تدعى "المكتب الوطني لنزع الألغام"، وذلك بعد توقيعها سنة 1999 على الاتفاقية الدولية لنزع الألغام، حيث أصبحت الدولة ال106 عاميا، وال40 إفريقيا التي توقع على تلك المعاهدة الدولية، فضلا على توقيعها على الاتفاقية الدولية الخاصة بحظر الألغام المضادة للأفراد.وكانت منطقة الشمال الموريتاني قد شهدت معارك ومواجهات عنيفة خلال النصف الأخير من سبعينيات القرن الماضي، فيما يعرف بحرب الصحراء الغربية، بين جبهة البوليساريو من جهة، والمغرب وموريتانيا من جهة أخرى، انتهت بالنسبة لموريتانيا بالتوقيع على اتفاق سلام مع البوليساريو سنة 1979، ثم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو سنة 1991، وخلفت تلك الحروب وراءها ملايين الألغام التي زرعتها الجيوش المتناحرة، إضافة إلى كميات كبيرة من الذخيرة والقنابل التي لم تنفجر، خصوصا في المناطق القريبة من مدينة "نواذيبو" الساحلية والتي تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومنطقة "بولنوار"، فضلا عن ولاية "تيرس زمور" في أقصى الشمال الموريتاني.