أوقية الذهب ترتفع الى 3335.39 دولارًا    تواصل فعاليات أسبوع البيئة 2025 في حائل    جامعة بيشة تدخل لأول مرة تصنيف التايمز الآسيوي 2025    استشهاد عشرة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    رياح سطحية تحد من مدى الرؤية الأفقية على أجزاء من عدة مناطق بالمملكة    أمير المنطقة الشرقية يرعى تخريج الدفعة الخامسة والخمسين من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    رالي جميل 2025 ينطلق رسمياً من الأردن    1024 فعالية في مهرجان الشارقة القرائي    ختام مسابقة القرآن الوزارية بالمسجد الحرام    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    الشرع: لا تهديد من أراضينا وواشنطن مطالبة برفع العقوبات    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    أعادت الإثارة إلى منافسات الجولف العالمي: أرامكو.. شراكة إستراتيجية مع فريق آستون مارتن للسباقات    ولي العهد وملك الأردن يناقشان مستجدات أوضاع المنطقة    في ختام الجولة 29 من دوري روشن.. القادسية يرفض الخسارة.. والأخدود يتقدم    الجدعان مؤكداً خلال "الطاولة المستديرة" بواشنطن: المملكة بيئة محفزة للمستثمرين وشراكة القطاع الخاص    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    المالكي يحصد الماجستير    تكريم متقاعدي المختبر في جدة    منظومة شركات ومراكز أبحاث حضور قوي على خارطة أسواق الطاقة    ملك الأردن يصل جدة    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    فصول مبكرة من الثقافة والترفيه.. قصة راديو وتلفزيون أرامكو    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    منصة توفّر خدمات الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة والنظار المخالفين    في ذكرى العام التاسع للرؤية    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    جائزة محمد بن صالح بن سلطان تنظم ملتقى خدمات ذوي الإعاقة    غرامة (50,000) ريال والسجن للمتأخرين عن الإبلاغ عمن انتهت تأشيرتهم    إيران تندد بالعقوبات الأميركية قبيل جولة المحادثات الثالثة    من يلو إلى روشن.. نيوم يكتب التاريخ    انطلاق بطولة المربع الذهبي لكرة السلة    الدمام تستضيف تصفيات غرب آسيا لكرة الطاولة    كأس الاتحاد للكرة الطائرة.. النصر يواجه الاتحاد .. والهلال يقابل الفائز من الابتسام والصفا    «الأدب» تدشن جناح الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    حماية العلامات التجارية في السعودية    كشمير: هجوم مسلح على سياح يردي 26 قتيلاً    منجزاتنا ضد النسيان    تَذكُّرُ النِّعم    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    4 ملايين ريال لتمويل 82 علامة سعودية    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    2.02 تريليون ريال قيمة صفقات التركزات الاقتصادية    "واعي جازان" يحتفي بروّاد العطاء ويُكرّم شركاء النجاح        كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    أمير الرياض يدشّن مشروعات تنموية في الخرج بتكلفة 47 مليون ريال    محافظ الطائف يستقبل مدير عام هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    أمير الحدود الشمالية‬⁩ يدشّن مشروعات صحية بأكثر من 322 مليون ريال    مؤتمر القصيم لطب الطوارئ يختتم أعماله    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «سيدات القمر» والعبور بين أزمنة التحديث الخليجية
نشر في الرياض يوم 14 - 04 - 2011

جوخة الحارثي قاصة وأكاديمية من سلطنة عُمان، صدرت روايتها الثانية " سيدات القمر" عن دار الآداب، بعد ثلاثة مجاميع ورواية سبقتها عنوانها " منامات".
عملها الجديدة يثير الفضول عند من لا يعرف إلا القليل عن عُمان، حيث الرواية تحفل بما يمكن أن نسميه، فولكلورها وحكايتها ومزاج أناسها.
الحارثي ترصد حركة التمدين للسلطنة وانتقالها في سلم القيم، وإن بدا عملها شبه مكرس للنساء، غير ان مشهدها يتجاوزهن إلى علاقات التشابك بين الجنسين اجتماعياً وطبقياً.
تخلو الرواية من حبكة تلم تبعثر شخصياتها وأزمنتها وتداخل أصواتها وعدد الساردين، ولكنها في المنحى العام تحاول أن تجعل لفوضى التشظي وظيفة الدمج بين خطاب المكونات الاجتماعية المتنافرة.
ما يثير الاهتمام في الرواية، غياب فكرة الصراع ببعده التصادمي، وإن بدا على نحو ما، في منطويات الشخصيات التي تكابد كي تحتل موقعا في الحياة. كما تبدو بدرجة أخرى معنية برصد عملية التحديث، حيث تتساكن او تتفاعل القيم قديمها وجديدها في فضاء متداخل.
من خلال تطور وظائف السلالة العائلية التي تتابعها الرواية، يمكن ملاحظة ديناميكية التحول، فالسلالة العائلية مرصد الزمن الحامل ترسيمات المراحل وعلاماتها ورمزية حضورها.
شيخ العشيرة والتاجر، قطبا السيادة في هذا المكان الروائي، ولا نجد كبير فرق بين ملامح الأثنين، سواء في طريقة العيش، أم في الحيازة الاقتصادية، بما فيها حيازة العبيد والإماء. وتبقى للشخصية النسائية موقع اعتباري في الرواية، فنحن أمام سيدات يسردن أنفسهن دون أن يحظى هذا السرد بعنصر المفارقة أو الانعطافة الحادة. وسنرى ان الفضول المتولد عن مفهوم السر المجتمعي، الذي يشكل قطب الإثارة عادة، يغيب عن الرواية، على عكس الكثير من الروايات الخليجية، والروايات التي تكتبها النساء عموما. فالحكايات تخلو من مكابدات الجسد،أو فكرة اضطهاد المرأة،على نحو واضح، بل يصبح الحب الرومانسي موضع الاهتمام، لأن التعويض عن فداحة الحب في المجتمعات المغلقة، يجري عبر دمجه في اللحظة الاجتماعية المتحركة،أو اعتباره هاجسا رومانسيا يخطر في بال كل الشباب. في حين يشكل خطاب الجنس، معادلا لفكرة المنع أو الحجب في روايات خليجية كثيرة، وخاصة الرواية السعودية.
"ميا"، وهي الشخصية الأولى التي تقدمها الرواية، فتاة تقع في حب رجل من أول نظرة، بعد أن تلتقيه في مكان عام، ولا تتمنى سوى أن تراه فقط من بعيد. لكن أمنيتها تذهب أدراج الرياح، بعد أن تعلن لها أمها خبر خطبتها من ابن التاجر، أو المهاجر، كما يرد في الرواية، فلا يبقى من تلك الذكرى بعد أن تتزوج، سوى اسم مولودتها الجديدة التي تطلق عليها اسماً غريباً " لندن" لأن الفتى الذي أعجبت به قبل زواجها، كان قد ذهب إلى لندن.
زوجها خطبها لأنه وقع في حبها من أول نظرة، وبقيت حياتها معه عبارة عن سرد لفولكلور العائلة وعادتها،فهذه المراة في ملمحها الروائي، ليست على علاقة وثيقة بالحياة بعد ان استسلمت لأقدارها " بدت لها الحياة منشطرة شطرين كالليل والنهار : ما نعيشه وما يعيش داخلنا" . وهكذا نتعرف على شخصيات أخرى تشكل محاور متكافئة في مصائرها، فأختها خولة ترفض الزواج لأنها تنتظر ابن عمها الفاشل في دراسته بكندا، ويقف أبوها الشيخ مع رغبتها، ولكن الحبيب المنتظر كان قد ارتبط بكندية، تتركه في النهاية ليستسلم لحياته الزوجية. عندها تشعر بفقدان الرغبة في متابعة دورها السابق، فتطلب منه الطلاق. خولة تبدو على صلة بمطالب الحياة الحديثة، فهي تقف بين جيلين من النساء شبه المتعلمات، والدارسات في جامعات حديثة. ستكون الانتقالة الواضحة في فكرة اكتمال شخصية المرأة الحديثة، عند الجيل الجديد التي تمثله ابنة ميا "لندن" التي تقع بحب زميلها في الجامعة، وهو من عائلة خدمت عائلتهم. يوافق أبوها على خطبتها،رغم الفوارق الطبقية، ولكنها تكتشف خيانات الحبيب وتمرسه في بيع الكلام لكل النساء، فتتركه متفرغة الى نجاحاتها في العمل كطبيبة، رغم ادراكها صعوبة وضعها العاطفي.
حركة الحياة تبدو هادئة في الرواية، حتى ولو شعر بعض أناسها بالضرر، وسنجد ذاكرة القمع تستوطن البطل الرجل قبل المرأة. فالراوي الأول عبد الله، زوج ميا، التاجر الذي يسافر ويتصل بالعالم الخارجي، يفتتح بصوته وهو في الطائرة، مدخل الرواية ويختمها أيضا، حيث تراوده أطياف الاضطهادات التي مر بها، كما تراوده لحظات حبه لميا وأفكاره عن ابنته ومستقبلها. والد عبدالله سامه العذاب في الطفولة والصبا، سواء بتعريض جسده إلى العنف، او بتجويعه رغم الثراء الذي يتمتع به، وأمه ماتت مسمومة على يد عمته القاسية، فلم يعرف الرعاية والحنان سوى في حضن مربيته العبدة محظية الأب. ولكن تلك القسوة لم تمنعه من أن يكون متسامحاً وطيباً مع زوجته وابنته.
على هامش تلك الشخصيات نكتشف بعض الحكايات عن وريث المشيخة الذي لم يهادن الانكليز، فاضطر الرحيل وعائلته إلى مصر والمكوث في القاهرة زمنا طويلا، ثم العودة الى الديار، واستئناف حياته الهادئة. مجتمع العبيد والإماء،يحظى أيضا باهتمام الرواية، وما بين مرحلة العبودية والتحرر منها، تتبدل الشخصيات، وتصبح العودة الى الماضي من بين استرجاعات الذاكرة البعيدة لأبطاله : معاناتهم في السفن التي حشروا فيها بعد ان سرقوهم من أفريقيا، وباعوهم إلى الشيوخ والتجار في الخليج، ثم صدور قانون تحريرهم، وهروب بعضهم الى أماكن أخرى وبقاء الجيل القديم أسرى العبودية كقدر. وسنجد على هامش تلك الأحداث علاقة بين والد ميا وبدوية متحررة من فكرة الزواج، حيث يلتقي في الصحراء تلك البدوية الجميلة والشغوفة بحريتها واستقلايتها، ليلقي عليها أشعار قيس بن الملوح والمتنبي.
يمكن أن نعد هذه الرواية، رواية الأصوات التي تتجاور في بعثرتها حركة الزمن، لأنها لا تخضع إلى تواتر سرد الضمائر المتعددة وفق حركة نظامية، سواء في عودة الزمن الى الوراء أو في تقدمه الى الأمام. لعل فكرة التجريب تبدو متحققة في تخطي السرد كلاسيكية التتابع الكرنولوجي في مسيرة الشخصيات والحوادث. في هذا الحيز تبدو الرواية مشتتة، وفي فقدانها عنصر التحفيز او الإثارة، تصبح مملة لقارئ غير صبور، ولا يملك فضولا لمعرفة ما الذي يجري في هذا المكان، وما هي ملامح ناسه وطريقة عيشهم.
يكاد الأدب، والأدب الروائي على وجه التحديد، النافذة التي يستطيع من خلالها القارئ إشباع فضوله عن بلدان الخليج النفطية، ففي غياب الدراسات السوسيولوجية لا يمكن التعويل على انطباعات يكتبها مستشرقون عن جمال الطبيعة الصحراوية وعادات أهلها. وحتى تلك الدراسات التي تتحدث عن فكرة التحديث التي طالت الاقتصاد النفطي والعمران، تبقى مجرد انطباعات سياحية او تقارير رقمية لا تطال سوى المظهر الخارجي للمدن الحديثة النفطية التي نراها من الخارج. ولن يكون الشعر في تلك البلدان، سوى أصداء بعيدة للحياة العامة التي تمور تحت سطحها متغيرات كثيرة.
تذكرنا بعض ومضات من حوادث وشخصيات رواية جوخة الحارثي " سيدات القمر" برواية سبق أن أصدرتها الشاعرة ميسون صقر القاسمي، وعنوانها " ريحانة" وبينها حكاية الشيخ الوريث مع الانكليز، وحكايات العبيد والعبدات، ولكنها تختلف عنها في البنية التي تجعل رواية ميسون أكثر تماسكاً ووضوحا في محاولتها ربط الجانب السياسي بالاجتماعي في خطابها العام. رواية الحارثي تبدو مهتمة بما يصادفه رجال ونساء هذا المكان من مشيئة الأقدار التي قد تبدو سعيدة أو مكبلة بمرارة الحقب المنتهية في حياة لا يبدو فيها الماضي لعنة تُفسد استمرار الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.