يؤلمني جداً فاجعة موت أحد ممن عرفتهم ، يؤلمني جدا ، أن أعرف أن صوتهم اختفى ، ولن يعود .. وأن مشعلًا قد انطفأ .. الله كم تباعد الأوقات والمسافات ، فننسى من تواصلوا معنا وقدمونا ، وحكوا لنا أو عنا .. أحاول جاهدة التواصل مع الكثير من الزملاء والزميلات ، سواء من عرفتهم أثناء مراحل التعليم أم أثناء العمل .. أم من خلال الكتابة.. يؤلمني جدا خبر نعيهم ، يفضح تقصيري ، ويحرقني قلبي .. أشعر بالندم ولا أدري أي شماعة أعلق عليها كسلي .. عندما قرأت نعي الدكتور زكي الجابر عبر الصحف ،(وكان أحد أساتذتي) شهقت ، ورحت أكتب مقالا بعنوان (لا تنسوا من ترك أثرا فيكم) .. وها أنا اليوم أشهق ثانية ، وأنا أقرأ ، نعي زميل الحرف ، الصادق محمد صادق دياب ، لم يكن مجرد صحفي يريد أن يملأ صفحته ، ويسودها بكلام من هنا وهناك، ولا محررا أدبيا ، يكفيه أن يصرف معاشه أو مكافأته .. كان يعرف أن هناك مبدعين ومبدعات أحق بالخلق الحسن معهم ، والتعامل النبيل معهم ، والبحث عن مكافأة مادية لهم مهما صغرت . . عاشق جدة ، وعاشق تراثها وترابها ، وعاشق نمائها وجوها وبحرها ، عاشق الناس فيها وأمثلتهم وحكاياتهم الصغيرة التي غرف منها وأرسل لها .. غادرها وغادرنا ، سنضحك على أنفسنا ونقول إن الكُتاب لا يموتون ، بلى يموتون وهم أحياء عندما لا يسأل الوسط الثقافي عنهم ، عندما لا يعاد نشر الجمال الذي أوجدوه وخلقوه وطاروا به.. عاشق جدة رحل ، ربما رحلت دموعه من قبل على معشوقته والفساد يغرقها ، والماء يغتال أجمل ما فيها ، ربما بكى من أجل من غرق ومن أجل أيضا من لم يغرق، من أجل البيوت والشوارع .. والحكايات الصغيرة التي طواها الماء .. وربما بكى لأن من غرق بالفساد سلم .. ربما. رحل محمد صادق دياب ، وسنرحل جميعا ، هذه سنة الحياة ودورتها،لاأحد يستطيع تغيير سنة الله في خلقه ، عندما يخط سجل حياتنا هناك سجل آخر يكتب ، متى سنغادر ، والمحظوظ فينا من يغادر سالما من العفن .. عندما كان رحمه الله رئيسا لتحرير (مجلة اقرأ) توسطت لزميلة تحاول الإمساك بالحرف لكنه ينطلق هاربا منها ، وكانت تريد أن تجرب حظها مع المجلة ، قبلها مشكورا ، وشعرت بالامتنان له ، لكن الحرف هرب منها ، فاعتذر بلباقة فائقة .. رحمه الله رحمة كبيرة ، بوسع قلبه الأبيض مع الناس كلهم وروحه المعطاء .. هكذا تمضي بنا الأيام وتجتاحنا الأقدار فنلوم بين الفينة والفينة أنفسنا ، تقصيرا أو كسلا أو تأجيلا . لكن لا شيء ينتظرنا ، ولا الموت ينتظر أن نتصل كي يبدأ عمله . نكلم البعض ، من ثقوب الذاكرة يهرب البعض .. ويبدأ الألم . رحم الله محمد صادق دياب أبا البنات، اللهم جازه بالإحسان إحسانا، وبالذنب غفرانا، وارحمه رحمة واسعة، واغفر له وجزاه خير الجزاء على ما قدم، وما خطت يداه .. عزاؤنا لبناته ووالدتهن ..