ربما كنا قد اتهمنا الثرثرة بأنها عيب ومنقصة وداء وحُمق ، ولكن التعميم هنا كان دائما مظنة للخطأ ، لأن البحوث والدراسات النفسية المتخصصة والقائمة على التجربة والملاحظة ، قد اكدت أن الضغوط النفسية التي يواجهها البشر خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والحياة المدنية والشراكات التي لا تخلو من الظلم والتعدي والخصومات ، كل هذا الكم الهائل من الاحتقان السلبي لابد له من اداة تنفيسية ، تخفف من غلواء النفوس ، وتوسع ما ضاق من الصدور ، وتهوّن ما عظم من همّ القلوب؛ حيث لابد من شكوى الى ذي مروءة ، يواسيك او يسليك او يتوجع فربما وجدت عنده حيلة حين تضيق بك الحيل ، وربما دلك على طريق حين تضيق عليك السبل ، ، ولربما ذكّرك بفكرة تاهت عنك بعيداً وسط زحمة الهموم، وربما حباك بحكمة تعلّمها من عراك الايام او خبرة السني.. ولذلك لم يؤاخذ المولى عز وجل من انتصر بعد ظلمه ، فأولئك ماعليهم من سبيل، ومع أن الحق سبحانه لايحب الجهر بالسوء من القول الا انه سبحانه استثنى (إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما ) ، وقريب من ذلك ماورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال في حق الاعرابي الذي أغلظ في حقه : (دعوه ، فإن لصاحب الحق مقالاً) ، وبطبيعة الحال تقدر الامور بقدرها ، ويؤخذ من الدواء مايكفي لازالة الداء ، دون مبالغة او تجنّ او حتى استطابة للتفكه بأعراض الناس وغيبتهم ، وإنما تدفع الغصة بالجرعة او الجرعتين من الماء .!! **** وإذا عرفت هذه الحاجة النفسية في حق البشر ، فهي في حق المرأة ابلغ واكبر ، فقد تبين في دراسة علمية باحدى الجامعات المتخصصة : ان لدى المرأة هرمونا خاصا بضبط المزاج يدعى (اكسيتوسين) يزيد إفرازه حينما تثرثر المرأة مع اخواتها وصديقاتها وجاراتها ، فيتخلصن بذلك من وقع الضغوط النفسية بدلا من الانطواء والانسحاب والتكور..!! ، ولعل هذا هو السبب في ان النساء هن اقل عرضة للاضطرابات النفسية والعصبية واقل وقوعا في مستنقع الادمان ..!! **** هرمون (الاكسيتوسين) يفرز من الغدة النخامية ، يوجد لدى الرجال والنساء ، ولكنه يوجد بكميات اكبر لدى المرأة ، وخصوصا ان الهرمون الانثوي (الاستروجين) يساعده ويزيد من فعاليته بفضل من الله ، كما ان المساج البدني والذكريات الجميلة يزيدان من افراز هذا الهرمون الرافع للمزاج ، وهذا مايفسر سر حب المرأة للمساج وشغفها بتقليب صفحات الماضي الجميل والفرجة على ألبومات الصور مرة بعد مرة ، ولذلك تجد ان الانطواء الذي حدث للاناث في هذه الفترة حيث زهدن في الصديقات ، وتركن الحديث مع الاخوات ، وهربن من الصلة وزيارة القرابات ، واستعضن عن ذلك بالتلفاز والحاسب والصداقات الالكترونية ، كل هذا الانعزال الاجتماعي والهروب من ارض الواقع ، سبّب لهن الاكتئاب والملل والضيق والتبرم والاحباط ..!!. ومن هنا نعرف ان الثرثرة او الفضفضة هي في بعض الاحيان علاجا ناجعا للتخلص من الضغوط والهموم، والافتكاك من امراض العصر النفسية والبدنية ، لكن المهم هنا ان نعرف متى نفضفض ومع من نفضفض، ومتى يجب ان نكتفي ونسكت.. وعلى دروب الخير نلتقي..