كان فم الفرس الإسباني مفتوحا على آخره بينما كان يتم رفعها عاليا من حوافرها المربوطة معا برباط قوي يتدلى من خطاف متين يتحمل ثقل مريضة فاقدة الوعي وزنها حوالي نصف طن، كانت تتدلى رأسا على عقب من قضبان مثبتة على سقف الغرفة. وتم إنزال المريضة ببطء على طاولة خضراء مزودة بعجلات قبل نقلها إلى غرفة معقمة، حيث كان بانتظارها فريق عال الدربة من المتخصصين في جراحة الخيول، يعاونه طاقم من اختصاصيي التخدير والتمريض. وكانت هذه الفرس، التي اكتسبت شهرة كبيرة في سباق الحواجز، تعاني من ورم كبير داخل فمها يهدد حياتها. وقام أصحابها بنقلها براً من اسبانيا عبر فرنسا إلى مستشفى نيوماركت، الذي يعد مستشفى الخيول الأكثر تقدما في أوروبا. وقبل 20 دقيقة على ذلك ، كان قد تم اقتياد هذه المريضة المميزة بعد إعطائها أدوية مهدئة، إلى غرفة مبطنة لتخديرها بجرعات عالية من عقاري "الديازيبام" و "الكيتامين". في غضون ذلك شرعت ممرضة في التربيت عليها والحديث إليها بنعومة بينما كانت تغرق في سبات عميق. وأخذ الجراح أيان رايت مكانه على طاولة العمليات وقام بمساعدة اختصاصي التخدير بإدارة رأسها إلى وضع يمكنه من إجراء الجراحة ثم شرع في إحداث فتحة في اللثة لإزالة الورم من فكها الأسفل. الجراحون يتمتعون بلياقة عالية وقوة جسمانية تحسباً للتعرض للرفس والعض وإساءة المعاملة ويقول رايت،" ينبغي عليك أن تكون قويا ومتمتعا بلياقة عالية ومدركا لما يستطيع الحصان أن يفعله . لقد تعرضتُ للأذى عدة مرات. بل إننا جميعا تعرضنا للرفس والعض والسقوط والى إساءة المعاملة من قبل مرضانا، تماما كما يفعل المرضى البشريون بأطبائهم." والواقع أن البنية الطبية تتماثلان ماعدا أن كل شيء في هذا المستشفى أكبر حجما. فالأبواب والأروقة أوسع .أما غرفة العمليات فإنها ضعف حجم نظيرتها في مستشفيات الآدميين. وفي حين أن المرضى البشريين يتم إدخالهم إلى داخل جهاز الفحص بالرنين المغناطيسي فان المغناطيس الهائل القوة في هذا المستشفى يدور حول الحصان على جسر معلق. الجراحون يتعاونون على نقل الفرس الاسباني ويعد مستشفى نيوماركت للخيول الأكبر والأكثر تقدما في أوروبا، ومركزا للتميز للجراحين. واستقبل المستشفى 3 آلاف و267 "مريضا" من جميع أنحاء القارة في العام الماضي . ومن بين 834 جراحة كان 344 منها خاصة بالعظام (معظمها في المفاصل) و88 إصلاح كسور ، بالإضافة إلى 64 جراحة في البطن و54 في الجهاز التنفسي. وسيكون المستشفى مركزا لعلاج الصدمة للخيول التي تصاب في غرينوويتش خلال منافسات الفروسية في اوليمبياد لندن في العام المقبل. ويتألف فريق نيوماركت الطبي من 70 اختصاصيا منهم خمسة استشاريين بالإضافة إلى طاقم التمريض والتخدير، بجانب طلاب متدربين قدموا من دول أخرى. كما أن الاستشاريين يسافرون إلى الخارج . فقد زار أيان رايت فرنسا وايرلندا لإجراء عمليات جراحية. ومن بين مرضاه خيول فازت في الديربي الانجليزي والألماني والألعاب الاوليمبية. الفحص بالأشعة السينية والأمواج فوق الصوتية والرنين المغناطيسي والجراحة بالليزر.. والغذاء حسب رغبة الخيل ولا يقتصر العلاج في هذا المستشفى على الخيول الارستقراطية الأصيلة فحسب إذ انه يستقبل أي حصان بصرف النظر عن شكله أو حجمه، رياضيا كان أم حيوانا مدللا. وكان الحصان الاسباني (المستشفى لا يكشف عن هوية المريض حفاظا على خصوصيته) قد حل بإسطبلات المستشفى قبل ثلاثة أيام على خضوعه للجراحة. وتتميز هذه الإسطبلات العالية ذات التهوية الجيدة بالنظافة والإضاءة الجيدة وانعدام الروائح. الفرس الاسباني أثناء الجراحة وتشير لوحات مثبتة على كل إسطبل إلى ما إذا الحصان يفضل العلف الجاف أم الطازج، هل يفضل تناوله في حزم أم سائبا، على الأرض أم على معلف. والصوت الوحيد الذي تسمعه هنا ، بجانب صهيل المرض، هو ذلك الذي يصدر عندما يشرع العاملون بالإسطبلات في تنظيف أرضياتها باستخدام مكانس خشنة. والإجراءات الأمنية في هذا المستشفى مشددة للغاية. فالمجمع البالغ مساحته 15 فدانا، يقبع خلف بوابات أمنية تعززها بالداخل المزيد من البوابات المزودة بكاميرات مراقبة. ويعيش خمسة من الطلاب المتدربين بالموقع ليراقبوا الخيول على مدار 24 ساعة. ويستقبل المستشفي أيضا الخيول من جميع أنحاء العالم. وفي الشهر الماضي تم هنا علاج فحل أصيل تقدر قيمته بخمسين مليون دولار. ولذلك ليس هناك ما يدهش في أن صاحبه أرسل مع الحصان طاقمه الخاص ليسهر على العناية به أثناء تلقيه العلاج. وقيمة العلاج بالمستشفي موحدة بصرف النظر عن قيمة الحصان ، وتبلغ تكلفة العلاج لمدة عشر أيام حوالي 300 جنيه إسترليني. ويضم المستشفى 84 إسطبلا، 60 منها تكون مشغولة في معظم الأحيان. وتترك بعض الإسطبلات شاغرة لاستقبال الحالات الطارئة. ويختار أصحاب الخيول بين الإسطبلات الخارجية والداخلية، خاصة وأن بعضهم يفضل الخارجية حتى لا تختلط خيولهم بالأخرى ومن ثم الإصابة بنزلات برد، خاصة إذا كانت مقبلة على المشاركة في سباق. وهناك أربعة إسطبلات للعزل بالإضافة إلى مرعى خاص يستخدم لتقييم مدى إصابة الخيول بالعرج. بجانب ذلك يوفر المستشفى خدمة الفحص بالأشعة السينية والأمواج فوق الصوتية والرنين المغناطيسي والجراحة بالليزر، كما يضم ست حظائر للعناية المركزة. وتسير التطورات على صعيدي التخدير وجراحة العظام جنبا إلى جنب مع التقدم التقني الذي تحقق على مدى السنوات العشرين الماضية في مجال جراحة العظام لدى البشر، الأمر الذي حدّ كثيرا من إبادة الخيول التي تتعرض للإصابات في مضامير السباق. وتتم إعادة الخيول عقب الجراحة إلى زريبة مبطنة لإنعاشها بعد إعطائها أدوية مهدئة خفيفة. وخلال الدقائق العشرين التي يحتاجها الحصان ليصحو ، يتم إطفاء أجهزة التدفئة وإخفات الأضواء وتغطية عينيه. ويفخر الجراح أيان رايت بأن معظم الخيول التي يحتفظ بصور لها بمكتبه فازت في المسابقات التي شاركت فيها بعد العلاج.