يسود القلق والتوتر الساحة السياسية الأردنية منذ أسابيع، مسيرات أسبوعية تعج بها الشوارع، اتهامات متبادلة بين الحكومة والمعارضة، وأحيانا اشتباكات بالأيدي بين المؤيدين والمعارضين، مبادرات ملكية لتلبية مطالب المعارضة الإصلاحية المتمثلة بتعديل قانون الانتخاب والأحزاب، لكن الاختلاف يتسع بين الفرقاء حينما يصل الأمر إلى المطالبة بتطبيق الملكية الدستورية. وشكل مطلب تطبيق الملكية الدستورية أهم مطالب مسيرات الأردنيين التي انطلقت منذ شهرين، ومع ذلك ينقسم الأردنيون بين مؤيد ومعارض لتطبيقها في بلادهم، لكنهم متفقون على ضرورة محاربة الفساد وتعديل التشريعات الناظمة للعمل السياسي وبخاصة قانونا الانتخاب والأحزاب. يشدد الفريق الداعي لها على ضرورة تقليص صلاحيات الملك في الحكم من خلال تشكيل حكومة برلمانية منتخبة، فيما يرى معارضوها أن الحياة السياسية وبخاصة الحزبية ما تزال فتية والأحزاب عاجزة عن تشكيل برلمان يقود إلى تشكيل حكومة منتخبة. ومن أهم الرافضين للملكية الدستورية النائب في البرلمان عبدالله النسور، فهو يعتقد أن " الملك عبدالله الثاني جاهز تماما لمبدأ الملكية الدستورية عندما يكون الشعب الأردني وقواه وأحزابه جاهزين لمثل هذه الحالة" ويعزو ذلك إلى أن "الحالة السياسية والحزبية في الأردن لم تنضج بعد". ومن وجهة نظر النسور فإن القوانين المؤقتة التي تزيد عن مئتي قانون هي التي كرست دكتاتورية رؤساء الوزارات والتي جاءت بغياب مجالس النواب الأردنية الفاعلة". غير أن موقف النسور من الملكية الدستورية، لا يمنعه من الاشارة الى أن الدستور الأردني بحاجة ضرورية لإجراء بعض التعديلات عليه شريطة "عدم المس بصلاحيات الملك الأساسية". المطالبة بالإصلاح السياسي السياسي من وجهة نظره ضرورة ، لكنه ينبه مواطنيه إلى" عدم سير وراء الشعارات الكبيرة التي ليس لها معنى بدون النظر فيها بتمعن"، ويقول إن "اي عمل سياسي هدفه في النهاية بناء الأردن واستمراريته". ويوضح أن "التغييرات الكبيرة التي تحدث بالإقليم تؤثر علينا بشكل كبير وتشهد فجرا جديدا وواعدا رغم الخوف منه". ويحصر النسور مطالبه الاصلاحية في تعديلات دستورية أهمها، "وجود محكمة دستورية لتكون بديلا عن المجلس العالي لتفسير الدستور، إضافة إلى تعديل المادة الخاصة بالتصويت على منح الثقة للحكومة بحيث تحتاج الحكومة للغالبية للفوز وليس للسقوط، فضلا عن اطالة مدة الدورة البرلمانية العادية ليتمكن مجلس النواب من ممارسة صلاحياته بشكل أفضل ولمنع وجود قوانين مؤقتة". أما الفريق المتمسك بتطبيق الملكية الدستورية والذي حرك عشرات المسيرات في الأردن مطالبا بها، فيتزعمه حزب جبهة العمل الاسلامي –الحزب الأكبر في البلاد- ويقول القيادي في الحزب الدكتور إرحيل الغرايبة ان "الاصلاح اصبح ضرورة حتمية لاشراك الشعب في الحكم، الذي على اساسه تتحقق الديمقراطية الحقة". ويضيف الغرايبة ان"الحركة الاسلامية تبنت مبادرة الملكية الدستورية من داخل الاردن لا من خارجه ولم تطرح في الخارج، ومن يروج ذلك فهو "كذاب" في محاولة منه لرفض الاتهامات الرسمية الموجهة لحزبه وخصوصا من رئيس الحكومة الدكتور معروف البخيت. ولا يستبعد الغرايبة "ان نصل الى درجة من الديمقراطية في ظل النظام الملكي كما هو موجود في انظمة الملكية الدستورية في العالم مثل السويد والنرويج وبريطانيا". مشيرا إلى أنه "من الممكن ان نحقق ذلك دون ثورات او ما مسيرات ونصل اليها، ولا نطالب بتغيير جذري". وبين ان "الاصلاح قوة وفيه منعة للشعب الاردني، وان من يعارض الاصلاح فهو يعمل ضد الوطن. ولن يدوم التضليل، فالوعي اقوى والحق اقوى". الاشتباكات بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها الجمعة الماضية أدت إلى مقتل أحد المعتصمين المعارضين، ولا يزال الواقع السياسي يغلي على صفيح ساخن في ظل غياب من ينزع الفتيل. هنالك من يتوقع من مراقبين وسياسيين أن تلجأ الحكومة إلى تغييرات سريعة في مراكز القيادات الأمنية، فضلا عن اللجوء إلى سياسية الاحتواء الناعم من خلال دور أكثر فعالية للقيادات السياسية غير الحكومية وزعماء العشائر والزعماء الاجتماعيين لمحاولة تهدئة الشارع، فضلا عن إطلاق دورهم في تحريك مسيرات ضخمة مؤيدة لملك الأردن.