واجه الرئيس السوري بشار الاسد اشد ازمة في 11 عاما له في السلطة امس مع سيطرة محتجين مناهضين للحكومة على احدى المدن وانتشار الاضطرابات الى باقي مناطق سوريا. وقال مسؤولون طبيون ان عشرات الاشخاص قتلوا خلال الاسبوع المنصرم في انحاء مدينة درعا بجنوب سوريا وهناك تقارير عن مقتل اكثر من 20 آخرين الجمعة خلال مظاهرات ما كانت لتخطر بالبال قبل شهرين فقط في اكثر الدول العربية قيودا على الاحتجاجات. وخرجت احتجاجات في العاصمة دمشق وفي حماة في شمال البلاد حيث دفع الرئيس الراحل حافظ الأسد بقواته عام 1982 لسحق تمرد مسلح لحركة الإخوان المسلمين مما أسفر عن مقتل الآلاف وتدمير الحي القديم بالبلدة. واتهم مسؤولون حكوميون معارضين مسلحين بالمشاركة في المظاهرات وقالوا ان استخدام القوة له ما يبرره. وفرضت السلطات قيودا على تحركات الصحفيين غير ان مراسلا في رويترز في درعا قال إن عشرات الالاف الذين شاركوا الجمعة في جنازات المتظاهرين الذين قتلوا في وقت سابق من الاسبوع الماضي كانوا غير مسلحين الى حد بعيد. وردد المشيعون الذين تأثروا بالانتفاضتين الناجحتين ضد الحكم الاستبدادي في تونس ومصر "حرية." وفي وقت مبكر من صباح امس اعلنت المساجد في انحاء درعا اسماء "الشهداء" الذين ستشيع جثامينهم في وقت لاحق . وازال عمال البلدية الحطام من حول تمثال الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي اسقطه المحتجون. وحكم حافظ الاسد سوريا 30 عاما الى ان توفي عام 2000. تظاهرة مؤيدة لاهالي درعا في المعظمية في ريف دمشق وذكرت المجموعة الدولية للازمات ان الاسد البالغ من العمر 45 عاما والذي تلقى تعليمه في بريطانيا قد يستعين برصيد من حسن النية لدى الجماهير لتفادي المواجهة وتطبيق اصلاحات سياسية واقتصادية. وقالت الجمعة ان"سوريا تواجه ما سيصبح سريعا لحظة حاسمة لقيادتها. "لا يوجد سوى خيارين. احدهما يتضمن مبادرة فورية ومحفوفة بالمخاطر بشكل حتمي ربما تقنع الشعب السوري بان النظام مستعد للقيام بتغيير كبير. "والاخر ينطوي على قمع متصاعد يتضمن كل الفرص لان يؤدي الى نهاية دامية ومخزية." وخرجت عاصفة من الادانات الدولية لاطلاق النار على المتظاهرين. لكن محللين قالوا ان سوريا التي تمتلك دفاعات قوية وتكون تحالفا وثيقا مع ايران لن تواجه على الارجح نفس النوع من التدخل الاجنبي الذي يحدث حاليا في ليبيا. وقال ادوارد ووكر السفير الامريكي الاسبق في مصر ان هذا التوتر جعل كثيرين في المؤسسة الحاكمة يخشون من الرضوخ للمطالب الخاصة بالحريات السياسية والاصلاحات الاقتصادية. وقال دبلوماسي غربي في الخدمة انه فوجئ بما حدث لكن ما فاجأه اكثر هو حجم المتظاهرين الذين خرجوا الى الشوارع للمطالبة بالتغيير. وقال الدبلوماسي "لقد اجتازوا خط النهاية وهو واضح في سوريا." وفي ميدان بوسط درعا شاهد مراسل لرويترز محتجين يسقطون تمثال حافظ الاسد قبل ان يطلق رجال امن في ملابس مدنية النار من مبان مستخدمين بنادق آلية. وتفرق الحشد المؤلف من نحو ثلاثة الاف شخص تحت وابل من اطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع. وشاهد المراسل بعض الجرحى ينقلون الى سيارات وعربات اسعاف. ولم يعرف عدد القتلى ان كان هناك اي قتلى. ولكن شهود قالوا انه بحلول المساء بدا ان قوات الامن اختفت وتجمع حشد من المحتجين مرة اخرى في الميدان الرئيسي واضرموا النار في مبنى حكومي. وقال ابراهيم وهو محام في منتصف العمر في درعا "تحطم حاجز الخوف. هذه خطوة اولى على الطريق نحو اسقاط النظام" مشبها هذه الاحداث بالانتفاضات في مصر ودول عربية اخرى. واضاف "وصلنا لنقطة اللاعودة." وبعد اسقاط التمثال في مشهد اعاد الى الاذهان اسقاط صدام حسين في العراق عام 2003 على يد القوات الامريكية سكب بعض المحتجين الوقود على التمثال المكسور واضرموا النار فيه. مؤيدون للرئيس الاسد يرفعون علم سورية في دمشق وفي بلدة الصنمين التي تقع في نفس المنطقة الجنوبية لمدينة درعا قال سكان محليون ان 20 شخصا قتلوا عندما اطلق مسلحون النار على حشد خارج مبنى تستخدمه المخابرات العسكرية وهي جزء من جهاز امني ضخم يتولى حماية حكم حزب البعث منذ عام 1963. وذكرت وكالة الانباء السورية ان قوات الامن قتلت مهاجمين مسلحين حاولوا اقتحام المبني في الصنمين . ودرعا هي معقل للعشائر المنتمية للأغلبية السنية التي تشعر بالاستياء إزاء السلطة والثروة التي تهيمن عليها النخبة المحيطة بالأسد. وقدرت منظمة العفو الدولية عدد القتلى في البلدة خلال الاسبوع المنصرم بخمسة وخمسين على الاقل رغم تحدث سكان محليين عن مقتل مثلي هذا العدد حتى قبل الجمعة. من جانبه قال مصدر سوري ان مواطنا قتل وأصيب آخرون بجراح في مدينة حمص وسط سورية لدى اقتحام مجموعة مسلحو نادي الضباط وسط المدينة. ونقلت وكالة الانباء السورية "سانا " عن المصدر ان"مجموعة مسلحة استغلت الجمعة تجمعا لبعض المواطنين في مدينة حمص واقتحمت نادي الضباط وقامت بأعمال تخريب وكسر وإطلاق نار ما أدى إلى مقتل مواطن وإصابة آخرين إضافة إلى إلحاق الأذى والضرر بالنادي والمحال التجارية المجاورة ". ولوح آلاف من انصار الاسد بالاعلام وقاموا بمسيرات في دمشق ومدن اخرى لاعلان تأييدهم لحزب البعث والاسد الذي تولى والده السلطة في انقلاب عام 1970. وفي درعا اعلن شبان رفضهم للحكام بتغير كلمة "بشار" بكلمة"حرية" في شعار ولاء تقليدي يقول"الله سوريا والحرية وبس." واخمد رجال الامن بسرعة مظاهرة صغيرة في العاصمة دمشق. واعتقلوا العشرات من بين حشد ضم نحو 200 هتفوا بشعارات مؤيدة لدرعا. وفي وقت لاحق قال سكان ضاحية المعضمية بدمشق ان ثلاثة اشخاص قتلوا عندما واجه حشد ركب سيارات لانصار الاسد. وفي التل قرب دمشق قال سكان ان الف شخص تجمعوا ورددوا شعارات. وتفاقمت الاضطرابات في درعا الاسبوع الماضي بعد ان اعتقلت الشرطة اكثر من 12 تلميذا لكتابتهم على جدران مبان شعارات مستوحاة من مظاهرات مطالبة بالديمقراطية في الخارج. وتعهد الرئيس السوري يوم الخميس بدراسة توسيع الحريات في مواجهة المطالب بالحرية السياسية وإنهاء الفساد. ووعد أيضا بالنظر في إنهاء العمل بقانون الطواريء المطبق منذ 1963 وعرض زيادة كبيرة في رواتب موظفي القطاع العام. ولكن المتظاهرين قالوا انهم لا يصدقون هذه الوعود. وفي 31 من يناير/ كانون الثاني قال الاسد انه لا مجال لأن تمتد الاضطرابات السياسية التي كانت تعصف بتونس ومصر آنذاك الى سوريا. وفي بادرة حسن نية أطلقت السلطات السورية امس سراح 70 سجينا سياسيا من سجن صيدنايا قرب دمشق. وقال مصدر مطلع ان " السلطات أطلقت سراح 70 سجيناً سياسياً". وطالب الناشط السياسي المحامي هيثم المالح "السلطات بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وتبييض السجون في سورية ".