مواجهة ظاهرة المخدرات عمل وطني يحتاج إلى جهود مخططة تتكامل فيها الأدوار ضمن شراكة مؤسسية تستوعب كل المبادرات. ويسر صفحة أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات أن تعرض أسبوعيا ملمحاَ عن هذه المشاريع والخطط الجارية لمواجهة هذه الظاهرة وفق الأسس العلمية والمعايير العالمية المعتمدة. نواصل متابعة مشروع (المدرسة تحمي المجتمع) ونستعرض هذا الأسبوع دور المعلم في التربية العلاجية المخدرات. وهي التي تتركز على مساعدة المتعلم الذي وقع ضحية للمخدرات في تقوية رغبته في التخلص من وباء المخدرات ومن ثم العلاج منها نهائيا، وأهداف التربية العلاجية عند المعلم لا تختلف عنها عند مدير المدرسة والمرشد الطلابي وقد تطرقنا إليها بالحلقات السابقة، إلاّ أن دليل المعلم وضع بعض الاستراتيجيات العلاجية التي يستخدمها المعلم في العلاج ومنها: التبصير والإرشاد وهي أن يوعي المعلم طلابه بأضرار المخدرات والآثار الناجمة عن إدمانها، سواء أكانت هذه الأضرار على المستوى: الصحي، أم الاجتماعي، أم الاقتصادي، أم الديني، فمعرفة الشيء وتحديد أخطاره هو الخطوة الأولى في برنامج العلاج الصحيح، كما أن المعلم يتخطى مرحلة التوعية والتبصير إلى مرحلة الإرشاد والتوجيه. ثانيا: أن الحب والتقبل وهو أن يشعر المعلم طلابه بمحبته وقبوله لهم، وان يحاول أن يكون قريبا منهم في حل مشاكلهم، حتى يشعروا بالانتماء له، وليحدث بينه وبينهم نوع من الألفة والصداقة، ويثقوا فيه؛ فيحدثوه بكل صراحة عن أسرارهم الخاصة، وهذه الثقة هي الخطوة الأولى في إستراتيجية العلاج، وهي تأشيرة الدخول للمعلم في مشكلات الطلاب ومنها، المخدرات. ثالثا: التشجيع والتحفيز ويقصد بذلك تشجيع المعلم لطلابه الذين تورطوا في إدمان المخدرات على بداية العلاج، وتحمل الآلام التي سيعانون منها في أثناء مرحلة العلاج فهي أخف بكثير من الجحيم الذي سيعيشون فيه هم وأسرهم إذا استمروا في تعاطي المخدرات، ويحفزهم بالحديث عن الحياة الجميلة التي سينعمون بها إذا أقلعوا عن المخدرات. رابعا: التأهيل، فالعلاج لا يقتصر على العلاج الجسمي بنزع السموم من جسم المتعاطي، وإنما لابد أن يتعدى إلى مرحلة إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وذلك بمساعدة المتعاطي في الانخراط في المجتمع الذي يعيش فيه مرة أخرى، حيث يحاول المعلم إعادة الثقة الذاتية لنفس المتعاطي، وإكسابه للمهارات التي يحتاج إليها لإعادة انخراطه في المجتمع. خامسا: القبول وإشعار الآخرين للمدمن بتقبله، وأنه مجرد مريض يحتاج للعلاج أمر مهم في شفائه النهائي من خطر الإدمان، ويلعب المعلم دوراً بارزاً في توعية زملاء الشخص المدمن بأهمية إشعاره بالتقبل، وتقدير دوره في المجتمع الذي يعيش فيه؛ حتى لا يشعر بالغربة النفسية التي تجعله يحجم عن العلاج الذي قد بدأ فيه. سادسا: إشراكه بالنشاط فعلى المعلم أن يشعر طلابه بالتقبل للمدمنين بأنهم طلاب عاديون من خلال إشراكهم في الأنشطة الطلابية التي يمارسونها مع أقرانهم، التي تكسبهم مهارات سلوكية تساعدهم على إعادة انخراطهم الاجتماعي، والمعلم الجيد هو من يخطط لأنشطه وظيفية تكسب هؤلاء الطلاب ثقتهم بأنفسهم، وتشجعهم على مواصلة إتمام العلاج، وإعادة التأهيل مرة أخرى. سابعا: إستراتيجية النظير ويمكن للمعلم أن يستفيد من زملاء الشخص المدمن في علاجه وإعادة تأهيله، بحيث يشكل فريقاً يسمى فريق النظراء، أو من نظير إلى نظير، وذلك لأن المتعاطي للمخدرات يقبل الكلام أكثر إذا كان من نظير له في نفس سنه وثقافته، لكن يبقى الدور على المعلم في تدريب هذا الفريق من النظراء؛ ليشكلوا مساندة ودعما لزميلهم المتعاطي حتى يخرج من هذه الأزمة من دون أن يشعر بأي إحراج. وبين الدليل أمكانية المعلم من استثمار هذه الوضعية للحديث مع الطالب المدمن عن تجارب بعض الشباب الذين تخلصوا من المخدرات رغم وجود العديد من عناصر المقاومة، وان يبين له انه بإمكان أي شخص مدمن أن يتوقف عن التعاطي وأن أول مراحل العلاج أن يظل ممتنعاً عن التعاطي أولاً، وأنه مطالب بتحمل مسؤولياته والعود تدريجيا لتمكين صلته بالله ومحاولة الاندماج في المجتمع من جديد وان يوضح له أن القبول بفكرة الامتناع تتدعم أكثر لديه متى التقى بمدمنين ممتنعين ومتعافين في المجموعات العلاجية، وفي برامج الدعم وأنه سيجد السعادة التي افتقدها بوجود الدافع للعيش وللفرح بدلا من ذلك الدافع لليأس والغضب. وعلى المعلم أيضا أن يبين للطالب أن الامتناع يحمل من الألم والمعاناة الكم الكثير ويتطلب الصبر والمعاناة وأن الرغبة الصادقة في الامتناع عن التعاطي لا تكون إلا حصيلة مقاومة داخلية وامتناع ذاتي وأن الابتعاد عن أصدقاء السوء يعزز عناصر المقاومة ويمنعه من العودة إلى المخدرات من جديد. كما وضع الدليل للمعلم مجموعة من الخطط لاستخدامها مع الطالب المتعافي لتحقيق الذات والطموح ومنها: مساعدته على وقاية نفسه من الانتكاسة بتبصيره بكيفية التخلص من اعرض التوقف عن الإدمان وإلحاح الرغبة للعودة له. وأهمية العلاقات الاجتماعية أثناء العلاج. ومخاطر تعاطي البدائل الخاصة التي يظن أنها قليلة الضرر مثل الحشيش. وعدم الخجل وناقش مشاكلك بحرية. وقول "لا" لكل من يقدم له المخدرات. وكيفية إعادة تقويم حياته الاجتماعية. وكيفية اكتساب أصدقاء جدد. وكيفية استعادة ثقة الناس بعد النقاهة. وكيفية التخلص من الالم من دون استعمال العقاقير. وكيفية اختيار مجموعة مثالية يأنس بها. وكيفية تقوية رابطة الحب والانتماء مع الآخرين. وكيفية التطلع للمستقبل والأهداف والأحلام. وتدريبه على التمتع بالحياة من دون مخدرات: ويجب أن يكون مفهوما لديه أنه ما إن يتوقف عن تعاطي المخدرات فإنه يحتاج لتعلم أشياء جديدة يملأ بها وقت فراغه. ووضح له الفرق الشاسع بين المتعة مع المخدرات والمتعة من دونها ووجهه للبحث عن طرائق السعادة من دون مخدرات. وتوجيهه إلى كيفية قضاء أوقات فراغه: وأن كل إنسان يحتاج للتمتع والتوقف عن المخدرات ليس معناه الانقطاع عن المتعة، ولكن الصحيح أن أولئك الذين توقفوا عن تعاطي المخدرات هم أكثر قدرة على التمتع بالحياة ولهم أكثر من طريقة. والخروج في جماعة للصلاة في المسجد أو لحضور ندوات دينية والتقرب إلى الله وقراءة الأدعية في الجماعة يؤدي بأفرادها إلى التسامي عن متعتهم الشخصية والنضوج مع جماعة الأصدقاء إلى مراتب الاطمئنان والإيمان. والانخراط في منظمات وجمعيات الوقاية من المخدرات ويعطي من تجربته للآخرين ويقوي عوامل المقاومة لديه بطرائق عملية. وفي نهاية موضوع دور المعلم في التربية العلاجية قدم الدليل مجموعة من الإرشادات التي يمكن للمعلم أن يستعين بها في حالة اكتشافه لتعاطي أحد طلابه المخدرات ومنها: المبادرة بمتابعة سلوك الطالب الذي يلاحظ اختلافاً في سلوكه عن ذي قبل بما يثير الشكوك حوله، والبدء بسؤال الزملاء عن هذا الطالب، وكذلك كل من لهم علاقة به، ومراجعة حالة هذا الطالب مع المرشد الطلابي، والإطلاع على ملفه كاملاً وإيجاد قناة اتصال بين المعلم وبين أسرته، حتى يتعرف على ظروفه الاجتماعية، والاقتصادية والنفسية. وعقد جلسات خاصة مع هذا الطالب ومناقشته بحرية، مع تجنب الإفراط في لغة الوعظ والإرشاد بحيث تكون لغة المعلم متوازنة وان يتجنب السخرية والإكثار من النقد، وأن يمزج في خطابه له بين مخاطبة القلب والعقل وان يجعله يحدد أسباب المشكلة لديه، وشاركه في حلها وشجعه على بدء العلاج وطمئنه بوجودك معه. واستخدم نظراءه وأقرانه في إنجاح العلاج معه، حيث يشعرونه بالتقبل وحبهم له والرغبة في مساعدتهم له. والعمل على إعادة تأهيله نفسياً وبدنياً واجتماعياً مرة أخرى، وتبصيره بأدواره التي يمكن أن يسهم بها في بناء مستقبله ومستقبل أمته. وأخير القيام بملاحظته بعد العلاج لوقايته من انتكاسة العودة إلى المخدرات مرة أخرى. وإلى اللقاء في الأسبوع القادم الذي سنتناول فيه (إن شاء الله) دور المعلم في التربية الإنمائية.