الرياضة أصبحت حاضراً صناعة لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها سواءً حديثاً أو منذ فترة طويلة. بوصلتي التشجيعية تقف عند حدود «الأخضر».. ولعبة الميول لا أجيدها لن أقبل بدور المدرب في المنتخب السعودي.. ومصيدة التسلل لم أسلم منها الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه "دنيا الرياضة" عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم رجل الأعمال وعضو الغرفة التجارية الصناعية وعضو مجلس المنطقة الشرقية غسان النمر. * غسان النمر بما يملك من شبكة التزامات معقدة ما بين مسؤولياته الرسمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هل للرياضة نصيب لديه في هذه الدوامة الحياتية؟ - التزاماتي الكثيرة، وارتباطاتي الدائمة لم تخطفني من الرياضة، لأنني مؤمن قبل كل شيء بمقولة "العقل السليم في الجسم السليم"، ولذلك فإن ممارستي للرياضة لا تقف عن حدود معينة، فأنا أمازج بين كثير من الرياضات حتى لا تخطفني مسؤولياتي منها، فتجدني تارة التزم رياضة المشي في الهواء الطلق، وتارة التزم برياضات (الجيم)، وتارة أخرى السباحة، فضلا عن عشقي لرياضة الفروسية، كما أمارس بين حين وآخر رياضات خفيفة كالتنس والبلياردو. * تملك العضوية الشرفية في معظم أندية المنطقة الشرقية، بيد أننا لا نراك تتصدر واجهة الأحداث الرياضية في المنطقة على غرار البعض، ما يجعل البعض يفسر هذه العضويات بأنها شكل من أشكال "البرستيج" الاجتماعي لا أكثر؟ - شخصياً لم أسعَ يوماً للبحث عن عضوية أي نادٍ، ولم أستهدف منصباً شرفياً أو رسمياً في أي منظومة رياضية، وإن كنت لا أتأخر عن تقديم الدعم لبعض الأندية، وذلك في إطار مسؤولياتي الاجتماعية تارة، وكل عضوية من تلك العضويات كانت مرتبطة بدعم، وأعتز بكل نادٍ شرفني بعضويته الشرفية، أو رئاسته الفخرية، ولتثق بأنني لو كنت أبحث فعلاً عن "البرستيج" الاجتماعي كما تقول، أو "الترزز" بمعنى أدق لوجدتني أتصدر الواجهة في غالبية الأحداث الرياضية على الأقل في المنطقة الشرقية، وبأبخس الأثمان، فما أسهل ذلك. * العلاقة بين الرياضة والاقتصاد في السعودية باتت علاقة متشابكة؛ خصوصاً في ظل فتح باب الاستثمار الرياضي، فأين استثمارات (غسان) عنها؟ - في اعتقادي لم تصل العلاقة بين الرياضة والاقتصاد في واقعنا الرياضي إلى حد التشابك الحقيقي، صحيح أن هناك شكلاً من أشكال العلاقة كبعض عقود الرعاية، أو الإعلانات التجارية، سواء في الملاعب أو على قمصان اللاعبين، وقد كان لنا حضور على هذا الصعيد، لكن العلاقة بين الرياضة والاقتصاد في نطاق الرياضة السعودية لا زالت تتم على استحياء؛ عكس ما هو موجود عالمياً، ولن يكون ذلك إلا حينما تطبق (الخصخصة)، وأكاد أجزم بأن كثيرين من المستثمرين سيبادرون لشراء حصص في بعض الأندية، وحين يتحقق ذلك فقد تكون لمجموعة (غسان) القابضة حضورها في هذا الجانب. * قبل سنوات كان يقال بأن الرياضة "ما توكل عيش" لكننا اليوم نسمع عقوداً بملايين الريالات يفوز بها بعض اللاعبين، فهل أصبحت الرياضة اليوم "تؤكل كافيار" في ظنك؟ - إذا كنت سأقيس الرياضة السعودية بكرة القدم وتحديداً بلاعب أو بضع لاعبين فنعم هي اليوم كذلك، إذ بلغت عقود البعض منهم أرقاما فلكية بمقاييس الملاءات المالية للأندية السعودية، لكنها تظل حالات فردية لا يقاس عليها، إذ لا تمثل المعنى العام لكلمة رياضة، ولازالت الألعاب المختلفة ككرة السلة والطائرة واليد وغيرها "ما توكل عيش" فعلاً، بل إن هذه الحالات الفردية لا تمثل الإطار العام لكرة القدم في السعودية، إذ غالبية الأندية تعيش على الكفاف، وعلى ما يجود به الشرفيون. * نلمس حالة هرولة من بعض المستثمرين العرب نحو شراء حصص في الأندية الأوروبية، فهل ترى في تلك الهرولة بحثاً عن مكاسب تجارية أم مكاسب إعلامية؟ - هي تختلف من مستثمر لآخر، لكنني أرى في العموم في مثل هذه الاستثمارات بحثاً عن فرص ربح، لكن باعتبار عالم كرة القدم هو عالم أضواء وشهرة؛ خصوصاً في أوروبا فقد يجني المستثمر المكسبين المادي والإعلامي معاً. * أنت أحسائي الجذور، ودمامي الولادة والنشأة، وترتبط بشبكة علاقات واسعة مع مكونات مجتمع محافظتي القطيف والخبر، فإلى أي أندية المنطقة تتجه بوصلتك على امتداد الساحل الشرقي؟ - أستطيع أن أقول ودون مواربة إن بوصلتي لا قرار لها، فهي تتجه حيث يكون الإبداع والتألق من أي نادٍ من أندية المنطقة، فأنا اتفاقي منذ أن سجل النادي نفسه في عقدي السبعينيات والثمانينيات كواحد من أهم الأندية السعودية والخليج والعرب، وقدساوي عطفاً على ما قدمه هذا النادي من نجوم ومن انجازات مبهرة في عقد التسعينيات خصوصاً حينما سجل النادي نفسه كبطل لآسيا، وخلجاوي منذ أن أسر هذا النادي الألباب قبل ثلاثين عاماً بحضوره الطاغي في كرة اليد على الرغم من شح إمكاناته آنذاك، كما أجدني احتفي بالنور ومضر وغيرهما من أندية القطيف مع كل انجاز يحققانه محلياً وخارجياً في كرة اليد وغيرها وهم بتلك الإمكانات المتواضعة، كما وجدت نفسي مصطفاً مع أبناء الأحساء وهم يحتفون بالحضور المبهر لنادي الفتح بين الكبار في دوري المحترفين؛ لكن بوصلتي يتجمد مؤشرها في كل مرة يحضر "الأخضر". * كاقتصادي ضليع في اعتقادك لو تمت عملية تخصيص الأندية وطرحت أسهمها في البورصة السعودي أي منها سيكون بقوة "سابك" مثلاً بين الشركات الصناعية؟ - باعتبار أن السؤال افتراضي، فالجواب سيكون كذلك، وحيث إن التحرك في البورصة ليس كالتحرك في الملعب، فإن قواعد اللعبة ستتغير وفق الأصول التجارية، وليس وفق الأصول الفنية، إذ لا يعني حينذاك بالضرورة أن الأقوى في الملعب هو الأقوى في البورصة، لكنني أرى الأمور بواقعية ولا أعتقد أنها ستخرج عن أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي والشباب، وربما الاتفاق أو حتى الوحدة أيضا لم لا؟!. * البعض يرى أن تدافع تجار العقار نحو الاستحواذ على مفاتيح القرار في الأندية أفسد الأمور فيها وساهم في تضخم الأرقام في ساحة المنافسة أسوة بما يحدث في السوق العقارية.. كيف تعلق؟ - أولاً أنا ضد التمييز بين نوعية التجار في قطاع وآخر، خصوصاً حينما يكون هذا التمييز على أساس أخلاقي إذ لا أرى ذلك منصفاً فضلاً عن تحفظي على التعميم بالمطلق على كل تجار العقار، ولذلك أعتقد أن دخول العقاريين بمقدار ما أحدث شيئاً من السلبية في جوانب فإنه قد حقق مكاسب كبرى للأندية في جوانب، هذا خلافاً لكوني أرى أن وجود رجال الأعمال على تنوع اهتماماتهم إضافة نوعية للساحة الرياضية. * لا يخفى عليك كيف ينخر التعصب في عظام الكرة السعودية، وهو ما جعل بعض القطاعات الاستثمارية ذات العلاقة بالتنوع الاجتماعي تنأى بنفسها عن دخول في الاستثمار فيها، فضلا عما سببه من تواري لبعض المستثمرين خشية الدخول في أتون معركة الميول.. كيف تقرأ ذلك؟ - كل منظومة عمل ترتبط بالجمهور ارتباطاً وثيقاً يكون لها عشاقها ومدمنوها، فصناعة السينما -مثلا- لها عشاق معينون يميلون لهذا الفنان أو ذاك، وقد يصل العشق لحد التعصب، وكذلك الأمر في الرياضات كسباق السيارات أو الفروسية وحتى التنس، وهي رياضات غالباً ما يكون عشاقها من النخبة، فما بالنا بلعبة كرة القدم وهي اللعبة الشعبية الأولى، لذلك فمن الطبيعي أن يسري التعصب في شرايينها مسرى الدم في الجسد، وبالتالي فإن أي مستثمر كان فرداً أو مؤسسة ينبغي عليه التحرز عند الدخول في أي استثمارات من هذا النوع، لكن في المقابل فإن هناك مستثمرين يجدون في هذا النوع من التعصب مكسباً لاستثماراتهم خصوصا إذا ما نجح في الاستحواذ على قاعدة جماهيرية ضخمة. * لو فكرت حال تطبيق نظام خصخصة الأندية في شراء ناد سعودي أو الفوز بحصص في أسهمه، فأي الأندية سيجذبك لذلك؟ - الأمور في هكذا استثمارات لا تبنى على العواطف، فليس بالضرورة حينما أميل لنادٍ معين أن أستثمر فيه وهو لا يحقق أدنى درجات الربحية، كما لا يعني أن أتجنب الاستثمار في ناد ما لعدم ميولي له وفيه كل فرص تحقيق أكبر معدلات الربحية، ووفق رؤيتي هذه فأنا سأبحث عن أمور كثيرة في النادي الذي أسعى لشرائه أو الاستثمار فيه، ليس بالضرورة أن يكون تحقيق الربح المادي هو الغاية، فالأهم لدي أن يكون النادي بالنسبة لي محطة نجاح جديدة في مشوار حياتي. * ما بين هزيمة (الأخضر) بثمانية أهداف من ألمانيا في 2002، وفشله في التأهل لمونديال جنوب أفريقيا 2010، وأخيراً خروجه المخيب من كأس آسيا 2011، كيف قرأت حال منتخبنا الوطني؟ - لدي قراءتان في الأمر لا علاقة لهما بالجوانب الفنية وإنما بالشعر، فالقراءة الأولى محبطة كما في قول الشاعر: رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه والقراءة الثانية متفائلة كقول الشاعر: كبوة هذي وكم يحدث أن يكبو الهمام للخلف كانت خطوة من اجل عشر للأمام وعليه فنحن من نحدد خيارنا مع منتخب (الوطن) ما بين أن نركن للإحباط معه، أو نعيد رسم لوحة التفاؤل ليعود لنا كما كان وأحسن. * لو نصبناك حكماً ودعوناك لإشهار بطاقة حمراء، وأخرى صفراء في وجه بعض الممارسات الرياضية، فإلى أي منها ستشهر؟ - سأشهر البطاقة الصفراء في وجه أصحاب العنف بنوعيه اللفظي والجسدي سواء داخل المستطيل الأخضر أو خارجه، أما الحمراء فسأشهرها في وجه من يسعون لإخراج الرياضة عن مقاصدها الراقية وغاياتها النبيلة. * لو عيناك مدربا وطلبنا منك تشكيل منتخب رياضي يتمثل فيه أبرز رجال الأعمال في السعودية، فمن ستختار؟ - لا تورطني بهذا المنصب، فمجرد التفكير في لعب دور المدرب أشعرني بالدوار، خصوصاً حينما أجد أن هناك أكثر من رجل أعمال يستحق دخول التشكيلة، ثم سيأتي الأصعب حينما أريد اختيار "كابتناً" للمنتخب.. بصراحة كان الله في عون المدربين. * كرجل أعمال هل قمت بتنفيذ هجمة واكتشفت أنك تقف في موقع التسلل ما أدى بك لإضاعة فرصة هدف سانح؟ - بحسب معلوماتي الكروية فإن التسلل عادة يكون إما نتيجة تسرع في أداء الهجمة، أو نتيجة خطأ في التكتيك، أو أحيانا يكون خارجا عن الإرادة، وأنا بطبعي أدرس خططي بتعمق شديد تفادياً للوقوع في التسلل بغية الوصل للهدف بنجاح؛ لكن أياً يكن اللاعب ماهراً في أدائه فحتما سيجد نفسه في مصيدة التسلل لحظة ما على طريقة شئت أم أبيت، وبإمكانك أن تقيس ذلك عليّ أو على غيري، وشخصياً الوقوع في موقع التسلل لم يحبطني أبداً، وإنما جعلني أتيقن أنني على بعد خطوات من الهدف، وهو ما حدث بالفعل.