تعيش المملكة العربية السعودية حراكاً غير مسبوق في جميع المجالات وذلك بسبب ما يبذله الملك عبدالله من جهود جبارة طاولت مختلف أوجه الحياة من تعليمية وصحية وأمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية وشد أزر ذلك من خلال اتخاذ الحوار وسيلة لتعميق الوحدة الوطنية، ومن الإصلاح غاية ليضع الأمة على الطريق الصحيح لذلك فهو يبذل كل ما في وسعه لبناء دولته وإسعاد شعبه. زيادة المساحة المأهولة في كل منطقة من مناطق المملكة أصبحت من أهم الخيارات الاستراتيجية التي يحسن الالتفات إليها لما لها من أبعاد تم الحديث عنها وربما يكون لها أبعاد أكثر أهمية يمكن ان تبيّنها دراسات الجدوى رغم ان مثل ذلك المشروع يجب ان يكون قرار إنشائه قراراً سياسياً أمنياً عسكرياً استثمارياً تنموياً وقد جاءت القرارات والأوامر الملكية الكريمة التي بلغ عددها خلال ثلاثة أسابيع (32) قراراً وأمراً ملكياً لتصب في خانة الصالح العام، وتحسين مستوى المعيشة وحل مشكلة الإسكان والقضاء على البطالة، وتعزيز الأمن وإنعاش الاقتصاد. ولأنه لم يتردد أو يبخل فقد حظي بمحبة شعبه لصدقه وأمانته وعدله وشفافيته وحبه لفعل الخير. وبما أن الحديث عن تلك الأوامر والقرارات يحتاج إلى عدة مقالات لبيان أهمية وفوائد كل منها فإنني سوف أركز في هذا المقال على الأمر الملكي القاضي ببناء (500) ألف وحدة سكنية بتكلفة تقدر بحوالي (250) مليار ريال، ولاشك ان ذلك سوف يكون له أثره الكبير في حل مشكلة الاسكان. لذا فإنني سوف أطرح تصوراً يجعل الاستفادة من ذلك التوجه متعدد الفوائد بدلاً من كونه يحل مشكلة واحدة وهي الإسكان. فإذا تصورنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة التي سوف تستفيد من الوحدة السكنية الواحدة في حدود خمسة أشخاص أب وأم وثلاثة أطفال فإن ذلك يعني ان ذلك المشروع الجبار سوف يستوعب (2.5) مليون نسمة، وهذا العدد من السكان إذا أضيف إلى من يسكنون المدن القائمة فسوف يكون له إرهاصات سلبية عديدة من حيث الضغط على الخدمات وزيادة الزحام ناهيك عن محدودية الفائدة. إن عدد (500) ألف وحدة سكنية يكفي لإنشاء عشرين مدينة بمعدل (25) ألف وحدة سكنية لكل مدينة وبمتوسط سكاني قدره (155) ألف نسمة لكل منها. إن فكرة انشاء مدن جديدة سوف تكون له مميزات وفوائد أكبر من إلحاق ذلك بالمدن القائمة حالياً في مختلف المناطق وذلك للأسباب والمبررات الآتية: * زيادة الرقعة المأهولة من مساحة المملكة الشاسعة التي تبلغ أكثر من (2.2) مليون متر مربع والتي لا تشكل المساحة المأهولة منها إلا القليل. وهذا بلاشك له أبعاد استراتيجية عديدة. * إن بناء مدن جديدة سوف يتيح الفرصة لتخطيط وتنفيذ تلك المدن بأسلوب عصري حديث سواء أكان ذلك يتعلق بحجم السكن أم مفرداته أم يتعلق بالبنى التحتية أم الخدمات المرافقة والمساندة الأخرى ناهيك من ان تنفيذ البنى التحتية قبل البدء بتنفيذ البنى الفوقية سوف يكون أقل تكلفة وأكثر تكاملاً وأكثر إنسيابية وأقل عوائق. * إن زيادة عدد مدن المملكة سوف تكون له أبعاد ايجابية في المجالات الأمنية والعسكرية والتنموية والاستثمارية كما انه يعزز المواقع الاستراتيجية لبعض المدن القائمة وذلك مثل مدينة الرياض التي لا يوجد بينها وبين مدينة الدمام أي مدينة ذات ثقل استراتيجي أو سكاني والوضع نفسه ينطبق عليها من الناحية الشمالية الشرقية. والمثال الثاني يتمثل في المنطقة الواقعة بين المدينةالمنورة ومدينة تبوك وهناك أمثلة أخرى لمواقع استراتيجية يجب أن تصبح أكثر كثافة سكانية. * إن إنشاء مدن جديدة بعيدة نسبياً عن المدن القائمة يعني في الغالب ان الأراضي التي سوف يتم استغلالها عبارة عن أراض حكومية وهذا سوف ينعكس على التكلفة. * إن بناء مدن جديدة سوف يخفف من الضغط على المدن القائمة في أمور كثيرة لعل من أبرزها الخدمات التعليمية والصحية والمياه والكهرباء والنقل والمواصلات ناهيك عن الاختناقات المرورية وغيرها. كما أن آثاره السلبية على المستثمرين في مجال العقار سوف يكون أقل حدة ليس هذا فحسب بل ان ذلك الأسلوب سوف يقلل من الهجرة من الأحياء القائمة داخل المدينة الواحدة إلى الوحدات الجديدة إذا أصبحت تلك الوحدات مدناً مستقلة وإن هجر الأحياء يخلق أحياء شبه مهجورة كما هو حاصل حالياً في بعض المدن مما جعل من تلك الأحياء مقراً ومأوى للعمالة السائبة وسلبياتها. * لاشك ان إنشاء المدن الجديدة يجب أن يكون مصحوبا بمنظور استراتيجي استثماري أمني تنموي اجتماعي وثقافي له انعكاسات ايجابية وفوائد جمة تحقق مزايا متعددة من ذلك المشروع العظيم. * إن إنشاء مدن جديدة سوف يخلق فرص عمل عديدة أمام الباحثين عن العمل في جميع المجالات ولمختلف الفئات ومختلف التخصصات ومختلف الأعمار وبذلك يمكن القول ان إنشاء مدن جديدة سوف تكون له انعكاسات ايجابية أخرى تضاف إلى حل مشكلة الاسكان. * إن هناك دولاً عديدة مرت بتجربة إنشاء مدن جديدة كان لها أهداف استراتيجية ومنظور مستقل وذلك مثل اليابان وكوريا والصين وبعض الدول الأخرى وهذا يعني ان التجربة في هذا المجال متاحة ويمكن الاستفادة منها مع أخذ الأبعاد المحلية بعين الاعتبار. * أدعو من خلال هذا المقال إلى أن تتبنى الجهات المعنية الدعوة إلى عقد مؤتمر وعدد من ورش العمل يدعى للمشاركة فيها عدد من الجهابذة المتخصصين والمخططين والاستراتيجيين وأصحاب التجربة في المجالات ذات العلاقة بالأبعاد التنموية والتصميمية والبيئية والأمنية والاستثمارية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمدن الجديدة وذلك للاستفادة من تجاربهم وتطبيق التقنيات المتقدمة في هذا المجال. * إن مشاركة عدد كبير من قطاعات الدولة في بناء وإنشاء المرافق الخدمية كلّ فيما يخصه سوف يكون له أثر ايجابي من حيث السرعة وتوزيع التكلفة وذلك على النحو التالي: - وزارة التربية والتعليم تقوم بإنشاء المدارس وروضات الأطفال. - وزارة المياه والكهرباء تقوم بايصال المياه والكهرباء. - وزارة النقل تتولى تعبيد الطرق وانشاء الجسور والانفاق. - وزارة البلديات تقوم بإنشاء مقرات البلديات والحدائق. - وزارة الصحة تتولى إنشاء الوحدات الصحية والمستشفيات. - وزارة الداخلية تتولى إنشاء وحدات المرور والاطفاء والأحوال المدنية والجوازات. - وزارة العدل تتولى إنشاء المحاكم. - وزارة الشؤون الإسلامية تتولى إنشاء المساجد ومقرات هيئات المعروف هكذا. * أن تطرح أمام القطاع الخاص الفرص الاستثمارية المتاحة في كل مدينة جديدة وذلك مثل فرص انشاء الأسواق والمطاعم والاتصالات والنقل والفنادق ووسائل الترفيه ناهيك عن خدمات التشغيل والصيانة. نعم ان الاختيار لمواقع هذه المدن من الناحية الطبوغرافية وأهميتها من النواحي الأمنية والعسكرية واعتبار ان انشاءها يدخل ضمن مقومات الأمن القومي للمملكة سوف يجعل من ذلك التوجه نقطة تحول في الأسلوب التخطيطي والاستراتيجي لحراك التنمية في هذا البلد المعطاء ناهيك عن انه سوف يؤدي إلى توطين التقنية في مجال الانشاء والتعمير ويخلق تجربة رائدة لهذا الوطن الكريم. ولذلك فإن إنفاق (250) مليار ريال لانشاء (500) ألف وحدة سكنية يجب ان يكون له عوائد اقتصادية وتنموية واستثمارية وأمنية واجتماعية وثقافية وخدمية وترفيهية مجزية تشجع على انشاء مزيد منها في المستقبل. إن زيادة المساحة المأهولة في كل منطقة من مناطق المملكة أصبحت من أهم الخيارات الاستراتيجية التي يحسن الالتفات إليها لما لها من أبعاد تم الحديث عنها وربما يكون لها أبعاد أكثر أهمية يمكن ان تبيّنها دراسات الجدوى رغم ان مثل ذلك المشروع يجب ان يكون قرار إنشائه قراراً سياسياً أمنياً عسكرياً استثمارياً تنموياً يخدم في محتواه جميع مكونات الحراك الوطني جملة وتفصيلاً. سدد الله خطى قيادتنا الرشيدة وشد أزرها بشعبها الوفي وإلى مزيد من العطاء والنماء.. والله المستعان..