كنا صغارا نلهو ونلعب في الطرقات ، أحاسيسنا توجهنا ورغباتنا تسيّرنا ، تقودنا فطرتنا السليمة وقوانين أبائنا للابتعاد عن الطرق المظلمة والملتوية ومرافقة الغرباء ، وألا نبتعد كثيرا حتى نتعرّف على طريق العودة . وكثيرٌ منّا يحمل من ذكريات الطفولة ذلك الشعور بالرعب حين نضيع وسط الزحام بمجرد أن نترك أيدي الكبار، ما أقسى أن تكون وحيدا تائها بين الناس وما أسعد أن يتعرف عليك أحدهم ويعيدك إلى أهلك. وكبرنا وكبرت معنا رغباتنا ونضجت أحاسيسنا ، وتعلمنا كيف نتحايل على فطرتنا ونسلك الطرق المظلمة ونخوض الدروب الملتوية ونكسر القوانين ونرافق الغرباء .. ونضيع ! دون أن نشعر بذلك الرعب. وفي طريق الحياة الطويل القصير نسير، لا يهم إن كنا مجبرين أو مخيّرين! المهم أنّ كلٌ منّا يحمل متاعا يكفيه ، وأحلاما تغريه ، وأهدافا تبقيه ، ورفيقا يشقيه ! وأن يترك أثرا للإنسانية بعد رحيله ، فكم من الأشخاص عرفناهم لساعات وحفروا ملامحهم في ذاكرتنا لسنوات . وكلٌ يمضي في طريقه لا يدري هل يصل إلى نهاية الطريق أم لا ؟ وعلى أي حال به ينتهي؟ وماذا لو وصل إلى مفترق الطرق ، هل يحسن الاختيار؟ أم يختار أسرع الطرق لنهايته ؟ أسئلة كثيرة تكبر معنا كلما كبرنا ، وتتعقد أكثر كلما فهمنا .. أو هكذا نظن ! بعض الناس يحب الطرق الوعرة ، يستمتع بصعاب الأمور واجتياز المخاطر ومرافقة المغامرين ولا يكترث بالعواقب فمتعة التجربة ولذة الشهرة تستحق ، ونهايته إما أن تكون بطولية أو مروّعة. وصنف من الناس يحترف الطرق الملتوية ويسلك الدهاليز الخفية والدروب الزَّلِقة ويفضّل التستر ومصاحبة الخفافيش والزواحف فصفاتهم وأهدافهم ومصالحهم مشتركة، وأمثال هؤلاء يعيشون في الظلام ويموتون في السراديب. وصنف آخر يعشقون الحياة في النور يحبون الطرق المفتوحة ويسعون لتحقيق أهداف نورانية يناضلون من أجلها حتى لو مضوا في طريقهم وحدهم دون معين أو عضيد ولو ماتوا دونها ، ولا يكترثون أن تسطر أسماءهم في صفحات التاريخ -التي أغفل الزمن كثير منهم- أم لا . أما الصنف الحالم الرومانسي فهو لا يسلك الطرق الأرضية وإنما يعيش فوق الغمام ، يرفض واقعه ويختار التحليق مع الطيور وحمائم السلام وقصائد الغرام ، وسواء أعاش أحدهم بهدف أو بلا هدف ، وحيدا أو بصحبة رفيق ، فالمهم عنده ألا تنتهك حرياته وحدوده التي لا حدود لها ! وهناك أناس ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء ، همّهم قوت يومهم وصحة أبدانهم وتربية أبنائهم يمضون في طريقهم المستقيم حتى يلقوا ربهم. أما أنا فطريقي هو أنت ، أقف على مفترق عشرات الطرق وسط الضباب والخوف والضجيج أنظر إليك من بعيد ، أرفع إليك يديّ لتلفّني بذراعيك وتعيد الدفء والسكينة والأمان لأحلامي التي تبعثرت ، فأنا من بعدك طفلة ضاعت وسط الزحام. أحتاج إليك لتحتويني وأعود لبناء مساحاتي وكتابة قصائدي ، ولكن ! كيف لي أن أزرع مفردات الحب والشوق في أرض تملؤها رائحة الأشلاء الباردة ، وكيف لي أن أكتب قصائدي في جو ملوّث يحاول بعضهم تنظيفه بمساحيق غسيل الأدمغة ! عبدالمجيد الجهني فيصل الزير بسام المحيميد سلافة الفريح جبر العمران سلافة الفريح