المغنّي الذي قالَ للناس: (صدري تشقّقَ فاختبئوا.. جاءكم مارقٌ يقرئُ الصمتَ أنفاسَهُ ثم يبصقُ فوق السطورْ ...) المغني أحالوه للسُّلُطاتِ فماتَ كثيرٌ من الناسِ في صدرِهِ حينَ عادَ إلى أرضهِ.. عيّنوهُ وزيرًا على حزنهِ ثم حين تقاعدَ كان بها شاهدًا للقبورْ ... *** يتساءلون عن زمن الشعر، وأوسمة الكتابة..! ينثرون للكلام السائب قصاصات الضوء، وللغناء مضارب الصور..! يعلقون الشعر في عنق وردة، تتدلى من سور جارتنا، يستنشقها المارة حد الذبول، ثم تتساقط حبيبات صفراء على رصيف متعب بالظلال..! لم يكن الا جوهرا محترقا، او فقيرا يتسول بالحب الحياة، او مجنونا سيردد أن (أعذب الشعر امرأة)، وأتعبه المستحيلة منهن! وأكذبه ما لم يكتبه ابن زيدون في غضب ولادة، وما لم يقرؤه جبران في رسالات مي..! الشعر بكارة الحقيقة..! عذرية فتاة مغتصبة..! سرير امرأة فارهة الذكاء.. ولادة الدهشة.. ومهارات الكلام في صراع الحياة الصامتة عن اللغو..! الشعر قارورة عطر أنيقة على تسريحة امرأة إباحية المنشأ عذرية المعتقد.. هكذا تماما ننقع الروح في إناء الشجن.. فيخرج الكلام عناقيد ضوء مشبعة ببخور أرواحنا..! كل قادر على (مد) الآه.. ومماحكة الحروف..! كل قادر على أن يشعرنَ دقائقه، ويكبرَ في محراب روحه! لكن الشعراءَ وحدَهم يكتبون ما يذنبون.. ويعترفون دون ان يفرقوا بين ما يقترفون وما يحترفون..! ينثرون الليل كالشجر، والصباح كالمآذن.. تتآكل في كلماتهم التواريخ وتتسوس بأحزانهم أسنان الوقت..! خريطتهم الريح.. وثوابهم الضوء.. وأمنياتهم الفقر! حين أخرجهم أفلاطون من مدينته بدعوى الفوضى رتبوا بفوضاهم أحلام المغلوبين على أحزانهم.. وحينما تكسبوا بالشعر ماتوا دون تاجه! الشعراء منذ (فقر) الأيام عاشوا اغنياءها.. ومنذ غبار الرفوف كانوا أوراق التاريخ الصفراء.. لم يعلِّقوا قصائدهم في أستار الكعبة كما يدعي بعض أنصارهم الأولين.. لكنهم علقوا قصائدهم مع الكعبة جنبا الى جنب في صدور أنصارهم وأعدائهم أجمعين..! الشعراء.. وراثة الحياة، وتركة الموت.. أسماؤهم أفعال وكلماتهم آمال.. وفتواهم فتنة الآه في الخلق..! إنهم مدينة الممرات الكثيرة.. زبد البحر وملوحة الغرقى وحفلات الأسماك الصغيرة وعهر النوارس البيضاء..! الشعراء رسالة مجهولة كتبها أفلاطون وأرسل بها حمامة بيضاء خارج مدينته الفاضلة، فوقعت كوكبا استعمر الأرض..! * ورقة ليوم الشعر العالمي في النادي الأدبي بالرياض