أثمن ما يمتلكهُ الإنسان الصحّة والعقل ، فبدونهما لا يمكنه أن يحيا كعُنصرٍ مُنتجٍ وسويّ. حين تسأل إنسانا وقت استغرابك لتصرّفاته: هل أنت عاقل ؟ سيُجيبك وهل تراني مجنوناً ؟ إذاً مرجعية البشر حين الفصل ما بين الخطأ والصواب، وبين المقبول والمرفوض، وبين المعقول وغير المعقول، وبين الواقع واللاواقع هو العقل ، فالعقل نعمة كبيرة يتفاوت البشر في كيفية استخدامها حيث الجميع يملكون داخل جماجمهم أدمغة ، فيها مناطق للتفكير والتمحيص بل بوصلة معقدة تهدي لكل الاتجاهات. هُناك من يُمنح درجةً أعلى وهي الحِكمة وهؤلاء صفوة مُختارة وُهِبوا هذه الملَكة فأصبحوا المنظّرين من أهل الرأي والمشورة. ثُم هُناك المجانين الذين فقدوا نعمة العقل. من المعروف حتى لدى العامّة أن عقل الكائن البشري يمر بمراحل على هيئة قوس حسب نموه الجسدي يبدأ من نقطة صغيرة نحو الصعود. يصل فيها إلى مرحلة تمام نضجه في وسط رحلة الحياة وهي غالباً محطة الأربعين يعود بعدها للنزول في خريف العمر حتى يصل الى مرحلة الخرف ويتصرف بالضبط كالطفل الصغير إلاّ القلّة منهم . ومنذ الصغر يبدأ العقل كالصفحة البيضاء يكتب فيها الانسان معارفه وتجاربه وذكرياته. البعض يطوّر مهاراته العقلية والبعض الآخر يترك للزمن والأحداث وحتى للغير في تشكيل عقله. من هنا تبدأ المآزق حين يقوم الانسان بتأجير عقله لغيره، يُديره كيف يشاء. قد لا يؤاخَذ الصغير غير ناضج العقل على اندفاعهِ وتهوره حين يُملي عليه خبثاء النوايا وأصحاب الأجندات الخفّاشية ما يقول ويفعل. في العادة أسهل طريقة لاستلاب عقل الصغير غزوه عن طريق العاطفة ، ومن هنا يقع الغرّ في شرّ أعماله. إنما الطامة الحقيقيّة حين يُستلب عقل الراشد الناضج ويُستخدم كأداة جوفاء لتنفيذ أعمال الصبيان ، من نلوم حينها ؟ في كُل القوانين والأديان يُؤاخَذ البالغ العاقل على ما يفعل وفي المقابل لا يُحاسب المجنون على اقتراف أفعاله لكنه لا يُترك يعيثُ في الأرض . المجانين (مجازاً) هم بالفعل المشكلة فلا هم فاقدو العقل أي عقلاء بمقاييس علم النفس، لكن تصرفاتهم مجنونة تنتهك المنطق والقوانين وحتى الأعراف. قيل بأن كومة الحطب يجب أن تكون مجوّفة حتى يسهل إشعالها. أقول وحتى العقول المجوفة يسهل انقيادها.