إن عملية التعامل مع هذا الحدث أو غيره من الأحداث، تحدد مستوى ما يتمتع به ذلك المجتمع، من الوعي الحضاري، وعمق ما يمتاز به من تجارب تاريخية، ونسبة الفهم للظروف التي تحتوي المشكلة، والأسباب التي صنعتها! وطريقة التوظيف للحدث بشكل إيجابي أو سلبي، كل ذلك يعبر ويترجم لمستوى الثقافة التي يحتضنها ذلك المجتمع، وطريقة ردة الفعل نحوها! يجب على المسلمين توظيف الحدث توظيفًا إيجابيًا وذلك يكون من خلال إبراز الجانب الإيجابي الذي يخدم رسالتهم والتركيز عليها، وأن يكون أي تصرف نحو الحدث ينتج عن وعي وتفكير. إن الإثارة الإعلامية التي صنعها القسيس لا يجهلها أي إنسان على وجه الأرض بمختلف أديانهم وثقافاتهم، وهذا الحدث يجب أن نراه من الجانب الإيجابي: فهو كحدث سوف يحرك نزعة البحث والتفتيش والفضول لدى كل فرد من خلال اقتناء القرآن، وقراءة نصوصه، ومحاولة فهم مضمونها. والحوار حول ذلك، وهذه دعوة مجانية للاطلاع على المصحف! يجب على المسلمين تحريك عقولهم وضبط عواطفهم، لأن التصرف العاطفي الخالي من روح العقل يسيء أكثر من كونه يخلق مردودًا إيجابيًا نحو الحدث والمسلمين! يجب في الوقت الراهن وبشكل مركز ومكثف أن يبرز دور الفقهاء المستنيرين والمفكرين ومحاولة المشاركة في برامج إعلامية تشرح نصوص القرآن بطريقة عقلانية كونية من أجل أن تخترق عقول كل أتباع الأديان الأخرى بمختلف خلفياتهم الثقافية والتاريخية! يجب عدم تعميم الحكم بسبب التصرف الفردي على مستوى شعوب الغرب، لأن هذا الرأي لا يمثله غالبية الناس هناك، فالعقلاء في الغرب ينتقدون كثيرا هذه التصرفات ويجتنبونها، ويحترمون الإسلام وأهله. فمن المحزن جدًا أن يكون من السهل استثارة المسلمين بأرخص الأساليب ومن صنع أبسط إنسان في أي مكان.! يجب إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع الأحداث التي من حولنا، فردود أفعالنا هي انعكاس لمستوى ثقافتنا، وطريقة تفكيرنا ورؤيتنا للحياة والعالم. يجب دراسة كل الأحداث التي استثير فيها مشاعر المسلمين، ومراجعة كل ما نتج منا كمسلمين لغيرنا. هل صنعت موقفًا إيجابيًا أو تغير شيء أو مازالت الممارسات تخرج بين فترة وفترة أخرى؟ إن من يتأمل هذه الحدث وغيره من الأحداث التي على المنوال نفسه في طريقة نقدها غير العقلاني والحكيم، والتي هي خالية من نَفَس الاحترام للأديان وأتباعها، والتي نفسها استفزاز المسلمين. من الملاحظ أن ردود الأفعال نحو الأحداث هي نفسها لم تتغير ولن تضيف شيئًا بشكل ناضج. وأعتقد أنها لا تغذي الجانب الإيجابي الذي يجب التركيز عليه، كما يجب فهم عقلية الإنسان الغربي، فهو ينظر بمنظار مختلف جذريا عن الطريقة التي يراها الإنسان المسلم؛ لأن الكثير من المحاولات التي تكون من صنع المسلمين لم تجد بالشكل المطلوب، إن المراقب للأحداث يجد أنها توسع الفجوة بين الشرق والغرب، وتعمق ثقافية الكراهية بسبب تصرفات محدودة خالية من المنطق والعقل والتي هي من صنع غير العقلاء. إن عملية التجاهل لمثل هذه التصرفات هي أفضل علاج، وذلك يكون بالتركيز على الجانب الإيجابي الذي يخدم الرسالة النبوية، والسيرة النبوية مليئة بالمواقف النبوية الجميلة التي تعبر عن طريقة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، في طريقة احتضان الأحداث وتوظيفها بالشكل الذي يخدم نشر رسالته بطريقة عقلانية وذكية من أجل كسب العقول والقلوب بالتصرف السامي، وذلك يكون بالهدوء والنضج المتطلب حضوره في أشد الظروف! إن طريقة النقد اللاذعة للغرب عملية غير مجدية وغير ناضجة ولا تضيف شيئًا إيجابيًا، لأن عقولنا تشبعت نقدًا نحوهم منذ صغرنا ولم نر أي تغير يضيف للمسلمين شيئا بالقدر الذي نتمناه ويجب أن نكونه! إن كل المشاريع الكلامية النقدية الخالية من الإنصاف والموضوعية والعقل التي تشحن بها عقول الناس في المجالس الخاصة والمحافل العامة ضد الغرب لن تغير شيئًا بل تخلق أزمات لا يدركها العقل المسلم مع أن التجارب الحاضرة كافية لرؤية طريقة تعامله مع الأحداث. يجب تجديد الأفكار، وخلق الحلول الناضجة، وتجديد طريقة التعامل مع الأحداث، والتركيز على الأساسيات، وإحياء فقه الأولويات في العقل الإسلامي! وفي الأخير يبقى تساؤل لماذا التصرفات التي يصنعها غير عقلاء هي الباقية في التأثير على المشاعر والعقول؟ بينما مواقف العقلاء غائبة عن استحضارها وتأملها بالشكل المعقول والمناسب. * باحث شرعي [email protected]