الوطن حالة وجود ، وهوية ، وانتماء ، وكرامة . وهذه مسلّمات محسومة تماماً عند من لديهم الإحساس ، والوعي ، والفهم لمعنى أن يكون للإنسان وطن . سافرنا ، وطفنا ، وتواجدنا في أكثر عواصم العالم الأوربي ، والولايات المتحدة الأميركية ، والمدن الكبرى في جغرافيته ، وكان يدمينا ويفتتنا ويوجعنا مشهد أرتال البشر من مواطني بعض البلدان العربية ، ينتشرون على الأرصفة ، يمضغون القلق ، والسأم ، ويعيشون الإقصاء والذل والتشرد في المقاهي ، والأحياء الفقيرة ، ويقتاتون الذكريات والحنين إلى مجتمعاتهم ، ورفاقهم ، وأماكن الفرح الذي كان طيفاً في بلدانهم ، وتكبر المأساة في دواخلهم من خلال شراسة وجبروت وعهر أنظمتهم التي لاحقتهم في لقمة عيشهم ، وكراماتهم ، ومارست معهم الإذلال ، والاستعباد ، وأجبرتهم على رحلة التيه ، والتشرد ، والضياع في دروب مرهقة ، ومتعبة ، رغم تأهيلهم العلمي ، ومخزونهم الفكري والثقافي ، وتفوقهم كعقول واعية يمكن أن تساهم في وضع الرؤى ، والبرامج ، والخطط لبناء الأوطان ، وصياغة مستقبلات أجيالها ، وتوظيف ثرواتها في بناء المداميك الحقيقية لفعل نهضة الشعوب ، وصياغة عقل إنسانها ، لو كان للنظام السياسي عقل يستوعب من خلاله هذه القدرات ، ويتعامل معها كثروة تفوق كل الثروات . مثلاً .. مثلاً . عايش الإنسان العراقي الخلاق والمبدع والمؤثر في الفكر العربي النهضوي والتنويري مأساة موجعة مع الأنظمة المتعاقبة عليه بدءاً من انقلاب عبدالكريم قاسم في العام 1958 . وعانى التشرد ، وأحزننا أن نتفاعل مع حزنه ، ونموت يومياً مع موته ، وهو في مقاهي " إجوار رود " في لندن ، أو مقاهي " الحمراء" في بيروت يستمع بوجع لموال : " اللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه واللي مضيع حبيب يمكن سنه وينساه بس .. اللي مضيع وطن ، وين الوطن يلقاه " يتفاعل مع هذا الموال وتجده يرفعه بصوت مبحوح وحزين ، والحزن يسكن في الذات العراقية بشكل أسطوري ، والحنين إلى الوطن المتألق هاجس كل عراقي ، والسياب يصرخ وهو في الكويت ( ! ! ) : " لوجئت في البلد الغريب ، إليّ ، ماكمل اللقاء الملتقى بك ، والعراق على يديّ هو اللقاء " ونستدعي الشواهد .. ولا بأس . الشاعر الكبير عبدالمعين الملوحي رحمه الله ( كم أحبه ، وأعشق شعره وإبداعه ) صرخ في لحظة حنين ، ووجع . " تمنيت ياابن الريب ، لو بت ليلة بوادي الغضا ، تزجي القلاص النواجيا وأمنيتي ، لو بت في حمص ليلة فأسبح في " العاصي " ، وألقى لداتيا كلانا ، تهاوى حلمه ، لم تر الغضا ولا أنا في " الميماس " ألقي رحاليا " طال البوح عن الوطن ، والأوطان كانتماء ، وهوية ، وإرث ، وتاريخ ، ومعنى يتفاعل مع الروح والوجدان . من هنا .. فإن فساد العقل ، وانحداره الأخلاقي ، والمسلكي ، والتعاملي ، أن يكون الوطن عند الجهلة ، والموتورين حالة عبور ، ووطن كالمملكة هو إرث ثمين ، وقيمة كبيرة يجب أن نتعامل معه بكل الولاء ، والانتماء فهو الهوية ، وهو الكرامة . الشعب ، والوطن يثمن للملك عبدالله بن عبدالعزيز عطاءاته ، ويحفظ الولاء للجغرافيا ، والتاريخ..