تطرقت في المقال السابق إلى أن ارتفاع أسعار النفط من شأنها أن تؤدي إلى زيادة سعر صرف الدولار. لأن تضاعف سعر البرميل سوف يؤدي إلى تضاعف طلب العالم على الدولارات. ولكن هذا الكلام يتناقض مع النظرية التي تقول أن سعر صرف الدولار هو الذي يحدد سعر برميل النفط. وربما يذكر الجميع منا شكوى وزير النفط الجزائري عام 2008 وتبريره ارتفاع أسعار النفط بانخفاض سعر صرف الدولار. وأنا أعتقد أن العلاقة بين سعر صرف الدولار وسعر الذهب الأسود أو الأصفر هي علاقة غير مباشرة. فمثلما نعرف فإن الدولار كان في السابق، أي قبل سبعينيات القرن المنصرم، مقيم بالذهب الأصفر على أساس أن كل 35 دولارا تساوي أوقية ذهب. ولكن بعد قطع الرئيس الأمريكي نيكسون للعلاقة بين الدولار والذهب أصبحت العملة الخضراء مقيمة بالاقتصاد الأمريكي. فبدلاً من أن كان البنك الاحتياطي الفدرالي يضمن للبنوك المشابهة له في العالم تبديل ما لديهم من دولارات بذهب أصبحت الضمانة بعد قطع تلك العلاقة هي مقدرة اقتصاد الولاياتالمتحدة على تلبية طلب حاملي الدولارات في العالم بكل ما يحتاجونه من سلع وخدمات. وعلى هذا الأساس أصبح سعر النفط الذي يباع بالدولار مرتبطا بالاقتصاد الأمريكي وإن بصورة غير مباشرة. أي بمعنى أنه كلما كان الدولار مغطى بصورة كافية بالسلع والخدمات التي تنتجها الولاياتالمتحدة كلما كان الدولار قويا وسعر صرفه مرتفعا وكلما أدى ذلك إلى استقرار أسعار النفط وعدم ارتفاعها بصورة كبيرة. ولكن إذا استاء وضع الاقتصاد الأمريكي وأصبح الناس هناك تستهلك أكثر مما تنتج فإن الغطاء السلعي والخدمي للعملة الخضراء ينخفض. الأمر الذي يؤدي إلى عدم تمكن حملة الدولارات في العالم من تلبية طلبهم على السلع والخدمات من السوق الأمريكية. ولذا فإن الأوراق النقدية غير المغطاة إما أن تعامل باعتبارها أوراقا عادية، وهذا أمر غير ممكن أو ترتفع الأسعار على السلع التي تشترى بالدولار مثل النفط بمقدار عدم مقدرة الولاياتالمتحدة على تلبية طلب حاملي عملتها في العالم من السلع والخدمات. ولكن فقدان ثقة العالم بالدولار أمر مضر بمصلحة الولاياتالمتحدة. فالدولار هو عملة الاحتياط الرئيسية في العالم. فهذه الميزة التي تدر العديد من الفوائد والمنافع على من يقتنيها لا يمكن الاحتفاظ بها إذا كان سعر صرف العملة غير مستقر ومتأرجح بشكل كبير. فمنذ القدم أعتاد الناس على أن البلد القوي اقتصادياً هو البلد الذي يملك عملة قوية تستحق الاستثمار فيها. من هنا فإن إعادة الثقة في الدولار في ظل ضعف الاقتصاد الأمريكي يحتاج إلى سحر أو معجزة مثل ارتفاع أسعار النفط. أو بمعنى آخر إجبار النتيجة أن تتحول إلى سبب. فسياسة التيسير الكمي الذي اتبعها مجلس الاحتياطي الفدرالي بطباعة مئات ملياردات الدولارات غير المغطية بالسلع والخدمات كان يفترض أن تؤدي إلى تراجع سعر صرف الدولار، ولكن ذلك لم يحدث. لأن هطول دولارات زائدة على أسواق العالم مثل المطر، وخصوصاً أسواق العالم النامي، قد أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار في العالم وقلاقل في البلدان المصدرة للنفط. وهذه كلها أمور قد ساهمت، مثلما نرى، في زيادة أسعار الذهب الأسود وتوليد تيار من الطلب الإضافي على الدولارات من قبل البلدان المستهلكة للطاقة وتحسن في سعر صرف العملة الخضراء. ولكن هل زيادة الطلب على الدولارات وتحسن سعر صرفها بهذه الصورة سوف يؤدي إلى تعزيز الثقة بالعملة الأمريكية؟ قد يكون ذلك أمرا ممكنا على المدى القصير. ولكن على المدى الطويل لا يمكن أن تصبح عملة من العملات محل ثقة، إلا عندما يكون الاقتصاد الذي تمثله اقتصادا قويا ومتينا. ولذلك فإن التحدي الذي تواجهه الولاياتالمتحدة هو على الجبهة الاقتصادية بالدرجة الأولى مهما تهربت من هذا الاستحقاق عبر العديد من الإجراءات المالية والنقدية المصطنعة.