صرح الرئيس الدوري الحالي ل "منظمة البلدان المصدرة للنفط" (أوبك) وزير الطاقة والمناجم الجزائري "أن الدولار هو الآن مقياس (بارومتر) لأسعار النفط... حيث تتحرك أسعار النفط باتجاه مضاد لتحرك الدولار، فهناك علاقة مباشرة بينهما ... فعندما ارتفعت قيمة الدولار 1% قبل أيام انخفضت أسعار النفط أربعة دولارات للبرميل. وإذا ارتفعت قيمة الدولار 10% فإن أسعار النفط ستنخفض إلى 40دولاراً". بالفعل فإن العلاقة بين سعر صرف الدولار وبين أسعار النفط علاقة قديمة وذلك حتى قبل أن يباع النفط بالعملة الأمريكية حصراً. فالاتهامات التي كيلت للأوبك بأنها وراء ارتفاع أسعار النفط في السبعينات من القرن المنصرم هي اتهامات في معظمها ملفقة ومتعمدة ومبالغ بها بصورة كبيرة. فالباحث الأمريكي المتعاون مع معهد Discovery Institute بريت سوانسون Bret Swanson في مقالته المنشورة 14أغسطس 2006في (The Wall Street Journal) يرى أن ارتفاع أسعار النفط منذ بداية السبعينات من القرن المنصرم قد جاءت، بصفة رئيسة، نتيجة لفك الارتباط بين الدولار والذهب عام 1971بعد الإعلان الشهير للرئيس الأمريكي نيكسون بهذا الخصوص. ولكن ما الذي يعنيه بالنسبة لسعر النفط فك ارتباط الدولار بالذهب؟ إن سعر النفط بعد انهيار اتفاقية بريتون وود قد أصبح، وبكل بساطة، مرتبط بصورة أكبر بالدورة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي. فإذا كان الاقتصاد الأمريكي يعاني من التضخم ولجأ مجلس الاحتياطي الفدرالي إلى رفع سعر الفائدة على الدولار، فإن أسعار النفط سوف تنخفض. والعكس إذا كان الاقتصاد الأمريكي يعاني من كساد أو تراجع في النمو، فإن أسعار النفط سوف تتراجع بمقدار ما ينخفض سعر صرف الدولار جراء قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي تقليص سعر الفائدة على العملة الأمريكية. فحسب رأي صاحبنا سوانسون، فإن 67% أو أكثر من التغير في سعر النفط مردها إلى التغير في أسعار صرف الدولار. وإن دور العرض والطلب والتطورات الجيوسياسية هو غير حاسم في التغيرات التي تطراء على أسعار النفط. ولتأكيد ذلك يستشهد الباحث الأمريكي بسعر برميل النفط عام 1998عندما كان الوضع حول العراق متوتراً جداً والطلب على النفط مرتفع جراء نمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 4% والصيني بنسبة 10%. ورغم أن التوقعات بقرب نضوب النفط كانت وقتها أيضاً متداولة على نطاق واسع فإن ذلك، مع بقية العوامل المذكورة، لم يمنع انحدار أسعار النفط إلى ما دون ال 10دولارات للبرميل. أما الذهب فكان سعره عام 1998لا يتعدى 275للأوقية. فانخفاض أسعار النفط والذهب وغيرهما من المعادن في العام المشار إليه، رغم كل العوامل المشجعة على زيادة أسعارها، لا يوجد لها، حسب رأي بريت، إلا تفسير واحد هو ارتفاع سعر صرف الدولار في ذلك العام. وهذا على العكس مما نشهده الآن من ارتفاع غير مسبوق لأسعار النفط وذلك على الرغم من انخفاض معدل نمو الاقتصاد العالمي. فالأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولاياتالمتحدة وما يترتب على ذلك من سياسات نقدية ومالية توسعية قد أدت إلى انخفاض سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار النفط والذهب وغيرها من السلع. مما يعني أن العالم قد أصبح رهينة للدورة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي- هذا الاقتصاد الذي نتيجة لضخامته ( 14تريليون دولار) أصبح القاطرة التي تجر معها الاقتصاد العالمي أسواء للأمام أم للوراء. ولذلك فلنخفف من صب جام غضبنا على الدولار وتحميله كل المصائب التي حلت بالاقتصاد العالمي. فهذا المسكين ليس هو المسؤول عما نعاني منه مع غيرنا. فدوره فيما يحدث لا يتعدى عن دور الحزام الناقل للتطورات التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي الذي نتمنى له موفور الصحة والعافية.