ليس فناناً جميلاً ومبدعاً فحسب.. بل إنه فوق ذلك فنانٌ مسؤول يعي أن الدور الحقيقي للفنان هو الدعوة للمحبة والسلام. كاظم الساهر قال في ثنايا هذا اللقاء رأياً مسؤولاً عن الثورات العربية مُشدّداً على رفضه للأغنية الثورية الحماسية لأنها تؤدي دائماً إلى الهدم وإلى الحروب التي يرفضها تماماً، ومستشهداً بحال وطنه العراق الذي تشتت أبناؤه في أصقاع الأرض بعد أن فقدوا الأمن في وطنهم، لذلك هو يدعو الشباب دائماً وأبداً إلى الحفاظ على الأمن ومكتسبات الأوطان والتعبير عن آرائهم بطريقة حضارية لا تتخذ العنف وسيلة.. والآن إلى الحوار مع «قيصر» الأغنية العربية: * بحكم أنك من العناصر المهمة في الساحة الفنية ومن عمالقتها, حدثني عن علاقة الفنانين مع بعضهم, ما هي حقيقتها بالضبط, فهم عندما يلتقون في المهرجانات تجدهم كالأخوة وإذا عاد كل منهم إلى بلده تبدأ بينهم حرب ضروس؟. - نعم.. في كل الأحوال أنا أعتقد أن الجميع اخوة, وربما إذا سمحت لهم الظروف فسيتواصلون بمحبة مع بعض, هذا في الظاهر الذي أراه أمامي, أما في الخفاء فلا يعلم به إلا الله, بالنسبة لي فليس لي صداقات أو علاقات داخل الوسط, أنا رجل "بيتوتي" لا أختلط بأحد, ولكن الصدف تجمعني مع بعض اخواني الفنانين, ولدي احترام عظيم لهم وامنياتي لهم بالتوفيق, بعض النظر عن أي اسم, وهذا ما أخذته من تربيتي ومن بيتي, وهي "أن تتمنى الخير لغيرك.. يصيبك الخير". * دائماً ما يأتي اسمك على لسان أحد النجوم في تصريحاته الإعلامية.. ما شعورك نحو هذا الأمر خاصة أن أغلب التصريحات تأتي على سبيل الانتقاص؟ بغض النظر عن الأسماء فأنا يصلني العديد مما يقوله زملاء حولي, لكني لا أقابلهم إلا بكل الاحترام وأتمنى لهم التوفيق, ولن أن أرد بشيء حيال هذه التصريحات, بل اعتبرها من صغائر الأمور أن أعيد الحديث عن شيء مضى. * "لا تزيديه لوعة", هل تعتبرها فتحاً موسيقياً جديداً في مسيرتك الفنية؟ - لا شك أنها قصيدة عظيمة, وأنا اعتبرها تحديا لي شخصياً, امتيازها بصعوبة لغتها, ولي أحد الأصدقاء دائماً ما استشيره في اللغة وإعراب الحروف إذا استصعب الأمر علي وخانتني الذاكرة, وهو الأستاذ خليل علومني, وعندما وضعت أمامه القصيدة قال: "الله على بدر شاكر السياب.. الله على قصائده" وقال لي باللهجة العامية "هي قصيدة صعبة جداً, أش راح تساوي بيها", فقلت له "ان شاء الله يطلع شيء يناسب قيمتها اللغوية وإرثها الأدبي" فهي كتبت منذ زمن طويل, وأحمد الله أن ظهرت بهذا الشكل الموسيقي الذي أعجب الجميع. إذا لم يعم الأمن والسلام سوف نضيع ونذوق الويلات من جديد * البعض توقع أن ينطفئ توهجك الموسيقي.. لكنك مستمر كما نرى في ألبومك الأخير؟. - كل شيء بيد الله, هناك من أهلي من يقول: "كاظم تجري الأنغام والشعر في عروقه, ومنهم من قال, كاظم عجينة من الموسيقى", المهم لدي أن أكون متولعاً بالموسيقى والشعر, ولو تشاهدني في البيت, ستجد أن كاظم طفل جديد أو طالب يحاول أن يدخل هذا الوسط ويتعلم منه, الموسيقى معرفة وعلوم وقيمة فنية أدبية وبالتالي أتعلم كل يوم جديد, وهذا الأمر مستمر لدي, لذا لدي طموح أتمنى أن أصل إليه وكل شيء بتوفيق الله. * من خلال متابعتي لك.. أجد أن الوسواس يتلبسك دائماً؟ - مصيبة.. أنا سيد الوسواس (يضحك). * هو ملاحظ عليك.. بصراحة هل هو من شدة التركيز ورغبتك في الكمال؟ - أنا سيد القلق, ولتعرف أنا أحب الحرية وأرفض الارتباط حتى بالمواعيد, وخذ مثلاً لقائي بك الآن, لقد تم دون موعد, لذلك أنا مرتاح, ولو كان بيننا موعد مسبق لوجدتني قلقا جداً, حتى قبل الحفل تجدني مضطربا جداً حتى بعد انتهاء أول أغنية أعود لطبيعتي عندما استوعب كل شيء, بصراحة المواعيد تربكني وتؤثر علي نفسياً ويلتهمني الوسواس بسببها. * لنتحدث الآن عن "دلع النساء" هل هي مشاغبة جديدة للنساء أم نمط جديد تحتوي فيه الشباب؟ - الأغنية هي بذاتها موجهة للشباب ومن يريد الأغاني المتحركة "الراقصة", وبدلاً من أن يرقص على أغنية بسيطة, يرقص على قصيدة في إطار اللحن, ومن ناحية الكلمات فهي كانت مداعبة في الشؤون الأسرية, فتم تناولها ك"الله من كرم النساء وفضلهن على افتعال المشكلاتي" وهي ليست حقيقة إنما موقف, "وكيد" لم نأخذها بمعناها العميق, عند إكمال الجملة تجدها "الله من دلع النساء وكيدهن, ومن جنونك يا حياتي" ولحظات تجد فيها من الغزل وليست بالقسوة عندما تقول "الله يا مشاغبة يا متعبة يا مدللة", وأعتقد أنها غزل بمعنى آخر. * تجربة الملحن محمد شفيق في "سيدي المحترم" و"السور", كيف تصفها من خلال مسيرتك؟ - كل الأعمال التي قدمتها معه كانت جميلة, مثلاً "ناي" اعتبرها تحفة, تحكي جد ومزح أيضاً تحفة, "سيدي المحترم" كذلك كانت رائعة, فهي تلامس الناس واجتماعية, والمعنى فيها بالعامي "انتوا يا رجال انتبهوا للبيت".. عموماً تأكد أن كل ما قدمته معه لم يكن فيه مجاملة لأي شخصية واعتبرها ناجحة بشكل متميز, ثم طريقتي في اختيار الأعمال ربما تكون مختلفة, مثلاً أنا لا أعرف من كتب الكلمات وتصلني مجموعة من الأعمال واختار واحدة إذا تناسبت بعد سماعها أكمل عملي والبقية اعتذر عنها, ولنأخذ مثلاً "تحكي جد وتمزح" لم أتعرف على شاعرها المميز "تركي" إلا بعد إتمام مشروعها فهي بالفعل رائعة, ثم لا تنسى أني أقدم عشرة أعمال من ألحاني وثلاثة أو اثنين من غيري. * هل هذا دليل على أنك تمتلك ولاءً لجمهورك الذي يطالبك بغناء ألحان الغير؟ - الحقيقة.. نعم والله, ولو تابعت كل لقاءاتي وكل المؤتمرات والمراسلات والمسجات, ستجد أن هناك معنى واحدا يتردد وهو أن "كاظم "حجر" لماذا لا يجرب ألحان الغير", وبالفعل وجدتها تجربة "حلوة" وبالتالي أي جمهور عندما تظهر هذه الأغنية للناس فهي ملكهم وليست لي. أنا مسكون بالموسيقى ولم أجامل محمد شفيق * جائزة "جوردن أوورد" هل هي جائزة مقنعة بالنسبة لكاظم الساهر بعد نيله لقب -سادس- فنان بالعالم؟ - لماذا لا تعجبني. هؤلاء عملوا استفتاءً كبيراً ومن رشحني "مليون شخص" وهذه تعتبر نسبة عظيمة, يحق لي أن أفخر بهم وبها, والحياة أياً كانت هي تجارب ممتعة يستفاد منها, و"جوردن اوورد" اعتبرها متميزة بترشيح هذا الكم الكبير من الجمهور المحب لكاظم كما هو حبي لهم. * وماذا بعد "جوردن أوورد" و"سادس فنان" في العالم؟ - أنا أفكر مستقبلاً في"الأوسكار" لأني أملك طموحا كبيرا ولدي عمل عظيم سأدخل من خلاله لهذه الجائزة عن طريق فيلم. * هذا يقودنا إلى ملحمتك الموسيقية المنتظرة "جلجامش" ذات الأصول السومرية.. ألم تنتهي إلى الآن؟ - الملحمة انتهت ولكن يوجد لدينا عقبات, وبالنسبة لي اعتبرها انتهت وكتبتها لحناً وبقي الموزع الموسيقي وتسجيل الكورال عندما نختار الأصوات, وهو ما أطمح له أن تنتهي بنفس الخطة التي وضعناها لهذه الملحمة, لأنها عمل جبار يحتاج لوقت وجهد. * خبر عودتك للعراق لإحياء حفل في "أربيل".. هل هي رغبة منك أم بطلب الجمهور؟. - نعم هي رغبة من الجمهور وأيضاً رغبة مني, فأنا أحمل ذكريات طفولتي وأهلي وهناك قبرا والدي وأمي اللذان لم أشاهدهما حتى هذه اللحظة, عندي رغبة أن أجلس أمام قبريهما لقراءة الفاتحة والدعاء لهما, وسأحكي لهما عما بداخلي وعن من منعني السلام عليهما!. * هل تذكرت أغنية "الو من معي" في مصر؟ - أكيد أنا أتذكر كل الأغاني التي قدمتها للأوطان العربية بلا استثناء. * لكنك لم تركب الموجة وتقدم الأغاني فيما يحدث في الوطن العربي من مشاكل وأزمات؟ - أنا أقدم دعواتي للشباب, وعلى سبيل المثال أغنية قطر في مهرجان "الربيع", كانت "أولادنا أكبادنا عزيزة بلادنا" وهذه موجهة لكل الوطن وللشباب العربي, أن يحافظوا على بلادنا لأنها أمانة في يديهم وهم شمعة الأوطان والمستقبل, شبابنا أبرياء لا يعرفون الخبث, وأتمنى لا يغرر بهذه الوطنية والبراءة من قبل جهات أخرى, وأنتم تعرفون أن هناك من يريد تدمير الوطن العربي كله وبشكل عام, هذه الأغنية كانت رسالة أن نبني وطننا بطريقة حضارية ونحافظ عليه. ولا أستطيع تقديم أغنية ثورية حماسية فأنا ضدها, لأني مع العاطفة والسلام والحق, ولنأخذ مثلاً, وطني العراق, لقد مرّ بحروب وتدمر ثم دمرنا وشتتنا, وكم مليون عراقي مغترب الآن, من مثقفين وناس بسطاء, أنا أرفض الحرب والتمرد ولا أحب الحماسة في الأغاني, أحب الأغنية الراقية التي يوجد بها حس الهداية ونصائح الشباب وفيها زرع المحبة والسلام الذي يعم الوطن العربي كله, وإذا لم يعم الأمن والسلام سوف نضيع ونذوق الويلات من جديد. مع الزميل عبدالرحمن الناصر