سألتني إحدى الأخوات فقالت بأنها هي وأخواتها حججن مع أمهن وهن من أهل مكة وقد قمن بجميع أعمال الحج ما عدا أنهن لم يبتن بمنى الليلة الثانية من ليالي أيام التشريق حيث ذهبن آخر اليوم الأول من أيام التشريق إلى بيتهن في مكة وبتن فيه ورمت عنهن أمهن حصى جمار اليوم الثاني من أيام التشريق وتذكر انها سألت المفتي العام فأفتاها بأنه ليس عليهن شيء وذكرت أنها لم تطمئن للفتوى وتسأل عما يترتب عليهن فيما تركن من المبيت بمنى والنيابة في رمي الجمار مع القدرة على الرمي وطلبت أن تكون الفتوى في العمود الأسبوعي - نافذة على المجتمع -. والجواب عن ذلك أن الذي عليه جمع من أهل العلم وعليه الفتوى أن واجبات الحج سبعة ومن السبعة المبيت بمنى ليالي أيام التشريق لمن لم يتعجل ومن تعجل في يومين فيجب عليه أن يبيت ليلتين - ليلة اليوم الأول وليلة اليوم الثاني من أيام التشريق - فمن ترك المبيت ليالي أيام التشريق أو ليلة منها بدون عذر فعليه دم وهو ذبح شاة لمن يستطيع ومن لم يستطع فعليه صيام عشرة أيام .. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب لا يتجزأ فمن تركه أو ترك بعضه وجب عليه الدم ومن كان معذوراً كمن لم يجد مكاناً في منى أو غير ذلك فلا شيء عليه. ومن واجبات الحج رمي الجمار في يومين من أيام التشريق لمن تعجل وفي ثلاثة أيام لمن تأخر ولا يسقط رمي الجمار مطلقاً إلا أن العاجز عن الرمي يجوز له أن ينيب غيره من الحجاج في الرمي. والرمي كلّ لا يتجزأ فمن ترك الرمي كله فعليه دم ومن ترك بعضه فعليه دم حتى لو ترك رمي جمرة من الجمار الثلاث، فعليه دم كامل ذبح شاة فإن لم يستطع فصيام عشرة أيام ولا تصح النيابة في الرمي إلا لمن كان عاجزاً عن مباشرة الرمي. والعجز وصف لا يصح الادعاء به إلا لمن تحقق فيه العجز وأمر ذلك بين العبد وبين ربه. وعليه فأرى أن على المستفتية وأخواتها وأمهن دما لتركهن المبيت بمنى الليلة الثانية من ليالي أيام التشريق حيث لم يذكرن عذراً شرعياً في ترك المبيت ونظراً إلى أنهن قادرات على مباشرة الرمي ومع ذلك وكلن أمهن لترمي عنهن اليوم الثاني من أيام التشريق فوكالتهن غير صحيحة لقدرتهن على الرمي؛ حيث إن شرط النيابة في الرمي العجز عنه. وعليه فعلى كل واحدة منهن دم ذبح شاة فإن لم تستطع فصيام عشرة أيام. وأما قول السائلة بأنها سألت المفتي وأجابها بأنه ليس عليها ولا على اخواتها شيء في تركهن المبيت والرمي فعندي ظن غالباً إن لم يكن يقيناً أن المفتي لا يفتي بما ذكرَته عنه فالمفتي - حفظه الله - معروف لدينا بمكانته العلمية والفقهية العالية ومثل هذا الاستفتاء لا يجهله - حفظه الله - وإنما آفة الأقوال من رواتها. فسماحته أعلى من أن يقول ما يشبه أن يكون معلوماً من العلم بالضرورة. وسألني أحد الإخوة أنه كان في الطائف ونوى الاعتمار وتهيأ له بالاغتسال والتنظف ولبس الإحرام وخرج من بيته متوجهاً إلى الميقات ثم إلى مكة ثم تجاوز الميقات دون أن يدخل في الإحرام بالتلبية بالعمرة ثم بعد تجاوزه الميقات بعشرة كيلومترات ذكر فلبَّى بالعمرة فهل تهيؤه للعمرة في بيته يعتبر في حكم الإحرام أم انه تجاوز الميقات دون إحرام وأحرم بعد الميقات؟ والجواب لا يخفى أن الاحرام من الميقات أحد واجبات النسك وأن من أحرم بعده فعليه دم لقوله صلى الله عليه وسلم من ترك واجباً فعليه دم.. ولا يعتبر التهيؤ بالإحرام بالاغتسال والتنظف وليس الإحرام دخولاً في الإحرام ولا يحظر عليه من محظورات الإحرام شيء منها حتى يدخل في النسك بالتلبية به، أشبه بمن يتوضأ في بيته للصلاة ثم يخرج من بيته إلى المسجد ثم يقف في الصف متهيأ للصلاة ولم يكبر بعد فلا يعتبر داخلاً في الصلاة حتى يكبر تكبيرة الإحرام. وعليه فعلى السائل دم - ذبح شاة فإن لم يجد فصيام عشرة أيام - لأنه تجاوز الميقات وهو مريد النسك ولم يحرم إلا بعد ذلك. وسألني سائل فقال بأنه كان مع رفقة من أصدقائه متوجهين للعمرة ولم يرد العمرة معهم وبعد أن أحرموا من الميقات وقاربوا حدود مكة بدا له أن يحرم معهم بالعمرة فأحرم من مكان عزمه بعد تجاوزه الميقات ولبى بالعمرة فهل يترتب عليه دم لأنه أحرم بعد تجاوزه الميقات؟ والجواب: حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت من كل جهة من مكة ثم قال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ. وحيث إن السائل لم يعزم على العمرة إلا بعد تجاوزه الميقات ثم أحرم من حيث انشأ بعد الميقات فلا دم عليه لأن ميقاته مكان عزمه. وسألني سائل بأنه مع رفقة لهم في الحج وقد أفاضوا من عرفة بعد غروب الشمس ولم يصلوا إلى مزدلفة إلا قبل طلوع الفجر بقليل فصلوا المغرب والعشاء قبل طلوع الفجر ولكنهم لم يبيتوا بمزدلفة لتعذر ذلك عليهم فهل يلزمهم دم لذلك. والجواب: المبيت بمزدلفة أحد واجبات الحج ومن عجز عن أدائه سقط، وعليه فإن المترتب على تركه بدون سبب وجوب دم. أما إذا كان تركه ناتجاً عن العجز عن أدائه فإن الدم يسقط لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). وخلاصة القول إن وجوب المبيت بمزدلفة يسقط بالعجز عن أدائه ولا دم على تركه لذلك والله أعلم.