شهدت نظم التمويل العقاري تغيرات كبيرة في العديد من الاقتصاديات المتقدمة. فحتى الثمانينيات، خضعت أسواق الرهن العقاري لدرجة عالية من التنظيم، وكان الائتمان العقاري يخضع لسيطرة جهات الإقراض المتخصصة التي واجهت قدرا محدودا من التنافس في الأسواق المجزأة، وقد وضعت القواعد التنظيمية حدودا قصوى لأسعار الفائدة وحدودا للقروض العقارية وفترات السداد. وأسفرت هذه القواعد التنظيمية عن ترشيد استخدام الائتمان في أسواق الرهن العقاري وأدت إلى صعوبة حصول المستهلكين (القطاع العائلي) على القروض العقارية. ومع تحرير أسواق الرهن العقاري الذي بدأ في أوائل الثمانينيات في العديد من الدول المتقدمة، ظهرت الضغوط التنافسية من جهات الإقراض غير التقليدية. وكانت النتيجة أن أصبحت الأسعار أكثر تفاعلا واتسع نطاق الخدمات المتاحة، مما أدى إلى زيادة فرص المستهلكين للحصول على القروض العقارية. غير أن عملية التحرير اتخذت أشكالا متعددة في الدول المختلفة. ففي السعودية، تهدف أنظمة التمويل العقاري الجديدة إلى التأثير إيجاباً بما يعالج أزمة الإسكان في المملكة ودفع عجلة التنمية الإسكانية والعقارية لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة إسهام الجهات التمويلية في عملية التمويل للإسكان. كما تقدم هذه الأنظمة تنظيماً جديداً لكثير من مشكلات التمويل، حيث استحدثت قطاعاً مالياً جديداً وهو شركات التمويل غير البنكية لترفع تنافسية القطاع التمويلي والمصرفي، ما سيحقق مصلحة كبرى للمواطن. وشهد مجلس الشورى مناقشات ساخنة خلال بحثه تقريرا للجنة الشؤون المالية بشأن التباين في وجهات النظر بين مجلسي الشورى وهيئة الخبراء في مجلس الشورى حيال مشاريع منظومة الأنظمة التمويلية العقارية الجديدة وما توصلت إليه من رأي تجاه التعديلات المدخلة على بعض موادها، والتي أعيدت للمجلس للمرة الثانية عملاً بالمادة 17من نظامه بعد إقراره المشاريع في وقت سابق ورفعها للملك. تباين تأثير الرهون العقارية على الإسكان في أمريكا وكندا وأستراليا من أعظم الدروس المستفادة من الأزمة الاقتصادية وتباينت مواقف الأعضاء بشأن ما نصت عليه التعديلات المدخلة على بعض المواد محل التباين في هذه المشاريع (نظام التمويل العقاري، نظام مراقبة شركات التمويل، نظام التأجير التمويلي، ونظام الرهن العقاري المسجل) وكذلك بعض مواد نظام السوق المالية، التي شملت الحذف والإضافة في بعض المواد وتعديلات صياغية في مواد أخرى. وتحفظ البعض على ما ورد في تعديل الحكومة للمادة الثالثة من نظام التمويل العقاري بإضافة اللجان الشرعية في نص المادة بحيث "أن تكون مزاولة أي نوع من أنواع نشاط التمويل المحددة في النظام بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية تقررها اللجان الشرعية وبما لا يخل بسلامة النظام المالي وعدالة التعاملات"، مشيرين إلى أن تجربة الاستعانة بهذه اللجان غير ناجحة وعملها يشهد فوضى إلى الآن، إضافة إلى أن التعامل معها سيكون من الصعوبة في حال كانت الشركات بالآلاف وسيكون هناك نوع من الخلل وعدم الانضباط. مطالبين في هذا الصدد بضرورة أن تكون هناك رقابة على عمل وأداء هذه اللجان من قبل مؤسسة النقد باعتبارها الجهة المعنية بالترخيص لشركات التمويل والإشراف على أعمالها في حال الأخذ بها بحيث لا تضر بالنظام المالي والاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تبني المؤسسة إنشاء لجنة شرعية موحدة أو وكالة خاصة تحت مظلتها تكون معنية بإصدار ما يخص اللجان الشرعية والأنظمة والأحكام الخاصة بالمعاملات المالية الشرعية والترخيص وإجازة المنتجات المحلية التي ستقدمها شركات التمويل والبنوك التجارية. الرهون العقارية في الولاياتالمتحدةوكندا وأستراليا في الولاياتالمتحدةوكندا وأستراليا، ارتفعت نسب إجمالي قروض المستهلكين (الأفراد) من المؤسسات المالية غير المصرفية في العام 2007 إلى ما يزيد عن ضعف ما كانت عليه في الثمانينيات. واقترن هذا التحول باستحداث أدوات جديدة مرتبطة بالقروض العقارية وسياسات إقراض أكثر مسايرة للتطورات، وأسهمت كل هذه التغييرات في سرعة نمو الائتمان العقاري في هذه الدول. بعد تحرير أسواق الرهن العقاري، اتجهت جميع الاقتصاديات المتقدمة إلى اعتماد نماذج أكثر تنافسية من التمويل العقاري تفسح المجال أمام المستهلكين للحصول على القروض المرتبطة بالمساكن بسهولة أكبر، بفضل زيادة تنوع مصادر التمويل. التجربة الكندية وفي كندا، شددت الحكومة قوانينها الخاصة بإقراض الرهونات العقارية، بهدف إبطاء وتيرة النمو السريع في القطاع السكني الذي يساعده في ذلك انخفاض معدلات الفائدة وزيادة ديون المستهلك. وقلل وزير التمويل جيم فلاهارتي من أهمية الشائعات القائلة بارتفاع أسعار القطاع العقاري التي تسببت في وجود الفقاعات غير المستدامة، منوهاً إلى استقرار السوق وقوته. وقال “إن من أعظم الدروس المستفادة من الأزمة الاقتصادية، هو أنه كلما كان رد الفعل مبكراً كلما ساعد ذلك في منع تطور أي اتجاه سلبي”. وخرجت كندا من الأزمة المالية العالمية بآثار جانبية قليلة مقارنة مع الدول الصناعية الكبرى الأخرى، ويعود السبب في ذلك نسبياً الى الدور الثانوي الذي تلعبه الرهونات العقارية عالية المخاطر في سوق العقارات المحلية. وتهيمن ستة مصارف على إقراض الرهن العقاري والتي غالباً ما تطبق معايير إقراض غير متشددة. كما قامت الحكومة في غضون العامين الماضيين بتزويد المصارف بالسيولة اللازمة من أجل المحافظة على عملية الإقراض. ولم تطلب هذه المصارف من الحكومة الكندية دعماً مادياً مباشراً، حيث تتمتع جميعها بعائدات كافية. ويذكر أن هنالك اثنين من المصارف الكندية، هما بنك “كندا” و”تورنتو دومينيون”، من ضمن ستة مصارف في العالم ما زالت تتمتع بالتصنيف ايه “A”، حسب مؤسسة مودي للتصنيف الائتماني. ولأجل إيقاف مشتري المنازل من التوسع، يطالب القانون الكندي جهات الإقراض بالحصول على تأمين مدعوم من قبل الحكومة على الرهونات العقارية، حيث يقل مقدم الدفع عن 20 بالمائة من قيمة الشراء. وقام وزير التمويل بتشديد القوانين في 2008 وذلك في غمرة أزمة الرهن العقاري في أميركا، حيث قلل من فترة الإيفاء بديون الرهونات العقارية المدعومة من قبل الحكومة من 40 الى 35 سنة، مع المطالبة بإيداع لا تقل قيمته عن 5 في المائة. وينبغي على ضوء القوانين الجديدة ضرورة إيداع لا يقل عن 20 بالمائة للحصول على تأمين الرهونات العقارية المدعومة من قبل الحكومة للعقارات الاستثمارية. كما يجب أن تتوافر في جميع المقترضين المعايير الخاصة بسعر الرهن العقاري المحدد والذي يسري لخمس سنوات، حتى في حالة اختيارهم لسعر أقل في معدل فائدته وفي فترته الزمنية. وتعرض سوق العقارات لتراجع طفيف، لكنه ومنذ ذلك التراجع بدأ يستعيد عافيته، فشهدت أسعار المنازل الحالية زيادة بلغ معدلها نحو 19.3 بالمائة في السنة حتى شهر ديسمبر مسجلة أرقاماً قياسية في تورنتو وفانكوفر. وقيم معهد “فاينر” البحثي متوسط سعر المنزل بخمسة أمثال دخل الأسرة بعد خصم الضريبة، مقارنة ب 3,7 أمثال والذي استمر لفترة ليست بالقصيرة. ونشأ جدل واسع فيما إذا كان هذا الارتفاع فقاعيا أم لا. وقال مايكل جريجوري، الاقتصادي في بنك مونتريال في دراسة نشرت مؤخراً “إنه وبغض النظر عن ارتفاع الأسعار، فإن سوق العقارات الكندي لم يقم بإرسال الإشارات الفقاعية المعروفة”. حيث أشار الى أن نمو ائتمان الرهن العقاري لم يزل دون مستويات الارتفاع التي بلغها في 2007. وبالرغم من ذلك لم يخف بنك كندا مخاوفه المتعلقة بالزيادة المتسارعة في ديون المستهلك. ويحذر معهد فاينر من أن العديد من الذين يقومون بشراء المنازل لأول مرة، يستغلون معدلات الفائدة المتدنية، غير مدركين ما تعنيه الزيادة في أسعار الرهونات العقارية وبنسب كبيرة، لدفوعاتهم الشهرية، وستعمل القوانين الجديدة على تعزيز أهمية الوعي بين أفراد الشعب الكندي عند القيام بالاقتراض. التجربة الاسترالية في استراليا، حذرت جمعية الإسكان الأسترالية، في تقريرها الدوري حول مستقبل السوق، من أن أسعار العقارات في غالبية المدن الرئيسية في أستراليا تعتبر متضخمة وأن السوق قد يتعرض لحركة تصحيحية، لكنه سيعود إلى الارتفاع بعد ذلك. واستبعدت الجمعية التكهنات والتقارير التي تحدثت عن انهيار في الأسعار. وأوضحت إحصاءات الجمعية أن مبيعات المنازل الجديدة في أستراليا هبطت في الربع الثالث من العام الماضي بنسبة 3% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الذي قبله. لكن إحصاءات الجمعية، التي تعتبر مصدراً موثوقاً في سوق العقارات في أستراليا، بينت أيضاً أن مبيعات مجمعات الشقق السكنية ارتفعت في نفس الفترة بنسبة 18.2%، بينما انخفضت مبيعات الفيللات الكبيرة بنسبة 6.2%. وبناء على هذه الأرقام ومؤشرات اقتصادية أخرى، توقع المدير العام لوكالة أسترانفست العقارية، سيمون تننت، أن يستمر الاحجام عن العقارات الاسترالية خلال عام 2008 خصوصاً أن أسعار الفائدة لا تزال مرتفعة. وأشار إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة على القروض العقارية لا تؤثر على حماس المشترين فحسب، بل تقلل من رغبة شركات المقاولات في بناء عقارات جديدة، مبينا أن زيادة أسعار الفائدة لم تؤد إلى ارتفاع في معدل البطالة التي ظلت عند أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات. غير أن انخفاض مبيعات العقارات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري كان أقل من توقعات التقرير، مما يشير إلى أن دورة التراجع في سوق العقارات الأسترالية قد وصلت إلى نهايتها وأن العام المقبل قد يشهد دورة جديدة من صعود الأسعار. من جهة أخرى قال موقع إنفستر بروفيدر المخصص في الشؤون العقارية على شبكة الإنترنت إن الصورة المتوقعة لسوق العقارات في أستراليا خلال السنوات الخمس المقبلة تبدو حسنة، نظراً إلى أن العوامل الاقتصادية مستقرة، بالاضافة إلى رغبة واضحة من المستثمرين الأجانب في الدخول إلى السوق الأسترالي، لافتاً إلى أن تاريخ العقارات في أستراليا يوضح أن نمو رأس المال المستثمر في العقار ينمو سنوياً بنحو 10% في معظم المدن الرئيسية، فضلاً عن أرباح الإيجارات التي تتراوح بين 6 و8 في المائة من قيمة العقار.