«رأت طفلتي (6سنوات) كلباً عند صديقتها، فألحت علي أن أشتري لها مثله، ورفضتُ بشدة لأسباب دينية وصحية، ولكنها واصلت الإلحاح والبكاء، وماأمر بكاء الطفلة على قلب ابيها .. فكرت وقررت أن أشتري لها عناقاً صغيراً ذهبت لسوق الغنم واخترت عناقاً مرحه رشيقة وأحضرتها لصغيرتي العزيزة .. وفرحت بها (ماأسهل وأجمل إرضاء الأطفال) .. وان هي الا أيام حتى صارت هذه العناق جزءاً من الأسرة : أحبتها أمي المسنة الساكنة معنا وزوجتي وأطفالي ذكوراً وإناثاً وهم - بحمدالله - ستة أكبرهم في العاشرة .. صارت هذه العناق المرحة هي صديقتهم واطلقوا عليها اسم (سوسو) ! .. وكنا إذا خرجنا من المنزل وتأخرنا يشتاقون لها .. فاذا عدنا هرعوا اليها .. صغيرتي تقبلها .. وزوجتي تمسح شعرها الناعم .. أما امي فتطعمها بيدها وتقول بحنان : إنّ هذه العناق تذكرني بماض سحيق حين كنا في القرية وكنت طفلة وعند أهلي (عنز) تخرج الى المرعى مع الصباح وتعود الى بيتنا في المساء بلا دليل، اذا اقبل الراعي بالأغنام والمعيز ودخلن باب القرية أسرعت كل واحدة لبيت أهلها تعرفه تماماً وقد امتلأ ضرعها بالحليب واشتد جوعنا ، فتقوم امي بحلبها فنشرب بعضه فوراً والباقي يتم خضه في الصميل لتصنع منه اللبن والزبدة والإقط .. كانت العنز تنام في صالتنا الصغيرة لها مكان محدد تأوي اليه سعيدة كفرد منا وقد ضوى الليل على القرية بالهدوء والسكينة فلا كهرباء ولا ازعاج .. ثم جاءت هذة العنز بعناق فكانت فرحتنا وأضافت أمي وهي حالمة : ايه .. ياله من زمن جميل ! .. المهم أن (سوسو) صارت جزءاً لا يتجزأ من العائلة يحبها ويدللها الكبير والصغير إلا أنا فلم تكن تعني لي أي شيء فعملي يشغلني وهمومي تعميني .. وقد زادت العناق من همومي وأهلي لايشعرون .. فأنا مهتم بحديقة بيتي أفرح بتفتح زهورها ونضارة بساطها الأخضر وتمايل شجيراتها الصغيرة .. ولكن (سوسو) هذه أصبحت (سوسة) فقد كبرت واستشرت بعد سنة من شرائها وصارت تفسد الحديقة : تقضم الورود والزهور .. وتأكل أحلى غصون الشجيرات وتعيث فساداً في البساط الأخضر وكل من في البيت - إلا أنا- راضون يشجعونها فقد صارت (دلوعة البيت) .. المهم أنني استيقظت ذات خميس مبكراً والكل نايم وأنا في إجازة، وجدت (سوسو) المزعومة تجوس في الحديقة من الفجر تخرّب وتفسّد، تأملتها فإذا هي كبيرة قد علاها اللحم والشحم وصارت ولا أروع (للمندي) وكنت أعمل في الحوش .. اتخذت قراري بسرعة أن أذبح العناق المكتنزة وأعمل منها (مندي) .. نفذت قراري وذبحتها من الوريد الى الوريد وعلقتها في الحديقة وأخذت أسلخها وقد رميت رأسها الملطخ بالدم .. فوجئت بابنتي الصغيرة تخرج للحديقة تريد -كما يبدو- أن تصبّح على الحديقة .. فماذا رأت ؟ رأت صديقتها مذبوحة ورأسها مطروحاً وأباها يسلخ جلدها بسكينة حادة ! .. صرخت كالمجنونة ! .. أيقظت البيت كله كأنما وقع حريقة .. خرج الجميع ومعهم أمي ورأوا المنظر الفظيع، صرخت زوجتي وهي تبكي : يامتوحش تذبح سوسو ؟!.. وبكت أمي كأنما مات لها ولد فجأة أما صغاري فقد أصابهم مايشبه الجنون : بكاء هستيري وخوف رهيب وهم ينظرون لي كوحش كريه ليس له قلب .. قامت القيامة في البيت .. تحول الى مناحة .. أنسدت نفسي وأصابني الرعب والذهول .. توقفت عن السلخ والغيت المندي .. أريد فقط الخلاص من الجثة ! .. أحس اني مجرم وجثة (سوسو) دليل الإدانة .. لايمكن أن أذوق لحمها بل لا أريد أن أرى جثتها ورأسها وقد أصابت جميع أهلي مصيبة لم أعهدها من قبل ولا من بعد .. الجميع يبكي ويولول وينظر لي كمجرم سفاح !! .. اتصلت مستنجدا بصديق قريب .. جاء على وجه السرعه فأعطيته (سوسو الذبيحة) هدية .. حملتها معه في السيارة هي ورأسها وآثارها .. ولكن هذا لم يمح آثار الجريمة ولم يجعل أهلي ينسون المنظر المرعب الفظيع الذي رأوني فيه أقطع أوصال (سوسو) .. كرهوني وهجروني حتى أمي صدت عني أما زوجتي فقد هجرتني من كل النواحي ثلاثة أشهر على الأقل ! .. وصغاري صاروا يخافون مني ولم ينسوا (سوسو) أبداً ..» هذه حادثة واقعية رواها لي رجل صدوق .. وقلت له : انك مخطئ بلا شك فالعشرة لاتهون والإلف يقول المتنبي وقد شاب : (خُلِقت ألوفاً لو رجعتُ إلى الصِّبا ** لفارقتُ شيبي موجعَ القلب باكيا) فمابالك بأطفال قلوبهم أرق من ورق الورد ؟ونساء يذبن من الحنان ؟ ربما كنت تريد - في عقلك الباطن- الانتقام من سوسو التي أخذت منك الاهتمام ..