اتفق قضاة ومحامون وقانونيون ورجال مال وأعمال على إيجابية «توزيع الورث» في حياة الملاك؛ معللين ذلك بالحفاظ على الترابط الأسري بين الأبناء بعد وفاة المورث، وعدم اللجوء إلى المحاكم لحل النزاعات بينهم، وترك المجال أمام الورثة للتصرف بأموالهم في وقت مبكر؛ دون الحاجة إلى انتظار سنوات طويلة، كذلك استمرارية الأعمال التجارية للشركات العائلية دون تأثر، أو تأثير على الاقتصاد المحلي. واستشهدوا بالتجربة الناجحة لرجل الأعمال الشيخ «سليمان الراجحي» الذي وزع ثروته المستحقة شرعاً على ورثته في حياته, وترك له ثلث ماله أوقافاً خاصة يديرها، وفق تنظيم دقيق، ومميز، طمعاً في استمرارها، وصرفها في أعمال الخير التي اشتهر بها، مؤكدين على أن لا يقتصر ذلك على ملاك المال والأعمال والعقارات، بل تأتي أهمية التوزيع حتى لرب الأسرة الذي يمتلك القليل من المال؛ حفاظاً على ورثته من التشتت والضياع؛ بسبب الخلافات بعد وفاته. العدل أساس التوزيع في البداية تحدث «م.أسامة الزامل» -مدير تطوير الأعمال في شركة الزامل القابضة والرئيس السابق للجنة مركز المنشآت العائلية في مجلس الغرف السعودية-، وقال: «يجب أن يخضع توزيع الثروة في مجمله إلى الضوابط الشرعية التي تحافظ على توازن الكيان العائلي بالدرجة الأولى، وكذلك أن تكون الهبات الممنوحة للورثة على أساس العدل بينهم», مشيراً إلى أن توزيع الثروة على الورثة ليس هو المقصود في حد ذاته، وإنما الهدف هو استمرارية ونمو هذه الشركات العائلية، وذلك بترتيب الشؤون العائلية لصاحب الثروة مع ورثته، والأشخاص والجهات ذات العلاقة فيما يسمى بحوكمة الشؤون العائلية لملاك هذه الشركات العائلية. وأضاف أن انتقال الثروة من المؤسس للشركة العائلية أو المالك الأصلي إلى ورثته قد يتم بعدة أشكال، منها: الوصية في حياة المؤسس أو المالك؛ على أن يتم التوزيع بعد وفاته حسب الوصية، أو بالوقف سواء في حياة المؤسس وتوزيع الباقي أو جزء منه على الورثة بشكل هبات وغيرها ضمن الضوابط الشرعية، أو بإنشاء مكتب العائلة والذي يُعنى بإدارة الثروة وينبثق منه جزء يُعنى بحوكمة الشركة العائلية، وهذا الانتقال المُؤَسَس للثروة يساعد على بقاء واستمرارية الشركات العائلية والكيان العائلي. وأشار إلى أنه لا يميل إلى القول إن أغلب الشركات العائلية تتوقف بعد وفاة المؤسس، بل شاهدنا الكثير من هذه الشركات العائلية التي استمرت ونمت أضعاف ما كانت عليه أيام المؤسس، كما شاهدنا الشركات التي تصاب بالضعف والجمود أيضاً، وهذه مسألة نسبية حسب تعامل المالك «المؤسس» مع عائلته وورثته وتحضيره للمرحلة التي تلي رحيله. وقال:»هنا تتبلور إيجابيات الشركات العائلية في تطبيق المُثل والقيم العائلية على الشركة؛ مما يرسخ استمرارها وفعاليتها»، مشيداً بأهمية الشركات العائلية، وذلك لما تمثله من نسبة عالية من عدد شركات القطاع الخاص، وكذلك لتأثيرها الهام في الاقتصاد الوطني، ففي المملكة تمثّل المنشآت العائلية الشريحة العظمى من منشآت الأعمال، حيث تتجاوز نسبتها (90%) من إجمالي المنشآت العاملة في القطاع الخاص، ويقدر حجم مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي للمملكة ما يقارب (22%)، وهو ما يتوافق مع النسب العالمية أيضاً، داعياً إلى أهمية حوكمة هذه المنشآت وانتقال ملكياتها وإدارتها بطريقة مهنية تضمن استمرارها، وليس فقط توزيع الثروة قبل وفاة المؤسس. البحري: توزيع الثروة في حياة المالك هبة وليس ميراثاً لأولاده نماذج ناجحة وأكد «محمد بن برمان» -رجل أعمال- على أن هناك نماذج ناجحة لشركات عائلية تحولت إلى شركات مساهمة عامة، وتحقق لها الإطار القانوني الذي يضمن لها الاستقرار والنمو، حيث استفادت من مزايا نظام الشركات المساهمة بإنشاء شركة ذات ذمة مالية مستقلة عن العائلة، وسهل لهم تحقيق درجة عالية من الحوكمة والشفافية المالية، ووضعت ضوابط تمنع أي شريك من الانفراد بالسلطة، ومكنتهم من وضع لبنات وأسس مبدأ فصل الإدارة عن الملكية، فضلا عن إتاحة الفرصة لاكتساب خبرات جديدة على مستوى القيادة بمشاركة شركاء جدد. وقال:»كان لهذه التحديات وقع شديد وقاسٍ على بعض الشركات العائلية، الأمر الذي جعلها تتلاشى تدريجياً مع الزمن خاصة في العقدين الأخيرين، لكن ظاهرة اندثار الشركات العائلية السعودية بقيت محدودة نظراً لأن نحو (70%) منها ما زالت تدار من قبل مؤسسيها، بينما يدير (20%) منها الجيل الثاني، أما (10%) الباقية فيديرها الجيل الثالث!»، مشيراً إلى أن كثيراً من الدراسات العالمية تظهر أن (80%) من الشركات العائلية في مختلف دول العالم تبدأ في التصدع والتفكك في الجيل الثالث، وأن واحداً من ثلاثة أنشطة عائلية يبقى حتى الجيل الثاني، ونحو واحد من عشرة أنشطة عائلية يستطيع المواصلة حتى الجيل الثالث!. وأضاف:» في مجتمعنا تسيطر العائلات على (95%) من النشاط التجاري، بيد أن (1%) منها فقط يدار من خلال شركات مساهمة، بينما أغلبها (67%) تدار من خلال شركات ذات مسؤولية محدودة، ونحو (23%) منها يعمل تحت مظلة الشركات التضامنية، بينما يمارس نحو (9%) منها أنشطتها من خلال شركات توصية بسيطة، ومع أن نسبة الشركات المساهمة قليلة جداً؛ إلا أن للشركات العائلية التي تحولت إلى شركات مساهمة عامة تجارب ناجحة حتى الآن، فيما ستسمح إعادة الهيكلة الجديدة بتسهيل فصل الملكية عن الإدارة، وهذا يهيئ لوجود مجلس إدارة تنفيذي يكون قادراً على رسم الأهداف العامة والخطط الإستراتيجية للشركة، واستقطاب الكفاءات المهنية المناسبة، وربما إدخال أعضاء من خارج العائلة في هذا المجلس». معوقات التوزيع ويعتقد «حسين جلال آل سنان» - مستشار قانوني- أن من بين أهم المصاعب والمعوقات على استمرار الشركات العائلية هي النزاعات التي تنشأ بين أفراد العائلة عند وفاة المورث -الذي بطبيعة الحال يكون المؤسس لهذه الشركة-، والتي يرى فيها إرثاً معنوياً يفوق ما تساوي فعلياً أو مادياً، ويرغب في استمرار إنجازاته حتى بعد وفاته، من خلال تطورها ونموها من جيل لآخر؛ فيقوم بتوزيع التركة بتحويل أصولها إلى أسهم وتقسيمها كلاً حسب حصته الشرعية في رأس مال الشركة، وذلك في محاولة لتلافي الخلافات التي تعوق تقدم الشركة العائلية، خصوصاً في الجيل الأول لهذه الشركات وهي خطوة إيجابية.وقال:»أما من الناحية القانونية فإنه لا إرث إلا بموت المورث، وحياة الوارث، وكذلك عدم وجود مانع من موانع الإرث، إذاً فهو انتقال حق بعد موت مالكه، وهنا يأخذ التقسيم شكلاً وتكييفاً قانونياً آخر ألا وهو التبرع أو الهبة، وتجري عليه أحكام أخرى، ولكنه يؤدي نفس الغرض أو الهدف الذي يرمي إليه المؤسس بشكل يضمن استمرار ما يراه حال وفاته تحت حماية قانونية وشرعية تبيح تصرفه». وأضاف:»أن الحاجة تظهر ملحة لهذه الشركات العائلية إلى حلول؛ كالدستور العائلي أو حوكمة الشركات التي تحول دون انهيارها، وتعمل على مواجهة جميع التهديدات التي تحيط باستمرارها ليس فقط في النزاعات العائلية؛ فهناك عوامل داخلية وخارجية كفيلة بهدم هذه الشركات وانتهائها، وهنا تكون الخسارة ليس فقط على مستوى العائلة، بل على مستوى الاقتصاد الوطني، وإهدار لسمعة وخبرات تراكمت على مدى أربعين سنة أحياناً، ولو تم حوكمتها لكانت سمعتها كفيلة بجذب رؤوس أموال محلية وأجنبية للاستثمار في هذه الشركات. التوزيع من باب الهبة من جانبه أوضح «إبراهيم البحري» -مستشار قانوني- أنه ينبغي أن يعلم الجميع أولاً أن التركة لا تكون تركة إلاّ بعد وفاة المورث، وتنتقل ملكيّة التّركة جبراً إلى الورثة، ولا يكون ذلك إلاّ بعد تحقق موت المورّث، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ انتقال التّركة من المورّث إلى الوارث يكون بعد وفاة المورّث حقيقةً أو حكماً أو تقديراً؛ إذا تقرر هذا فإن توزيع الشخص لأمواله على أولاده لا يكون من باب الميراث، وإنما يكون من باب الهبة، وأحياناً يعمد رجال الأعمال وأصحاب الشركات العائلية وخوفاً منهم من تفرق الأبناء فيقومون بتوزيع التركة كما يشاؤون حال الحياة، وهذا يجوز شرعاً، ولكن يجب أن يكون وفقاً للشريعة الإسلامية، وليس في الدنيا نظام يحافظ على ترابط الأسرة وتماسكها كالنظام الإسلامي، ومن محافظته على ذلك أنه نظر إلى توزيع التركة على الأولاد نظرة فاحصة عميقة عقلانية موضوعية؛ لتؤمن للأولاد تواداً وتحاباً خلال حياة المورث وبعد وفاته. إيجابيات وسلبيات ويطرح «البحري» سؤالاً: هل من المستحسن أن يوزع الإنسان أمواله حال حياته أم يتركها على حالها حتى إذا توفاه الله وزعها على الورثة وفق نظام معين؟، ثم إذا أراد توزيعها في حياته هل يلتزم بأحكام المواريث فيوزعها كما وزعها الله بعد وفاته أم له الحرية في التوزيع كيفما يشاء؟. وأجاب قائلاً:»إن توزيع الإنسان أمواله في حياته له بعض الإيجابيات وبعض السلبيات، وتركه أمواله لتوزع بعد وفاته على الورثة وفق النظام الإلهي له كثير من الإيجابيات وبعض السلبيات، وتختلف كثرة الإيجابيات والسلبيات بين هذين الأمرين حسب ظروف الحال، والذي أراه منسجماً مع الاتجاه الإسلامي أن يوزع الرجل جزءاً من أمواله في حال حياته فإذا كان غنياً وكثير المال وكثير الأسرة فيستحسن أن يضع بعض المال بين يدي ورثته وأقاربه فيسعدون، ويُشكر له هذا الصنيع، وهذا مما يزيد الترابط الأسري ويترك قسماً كبيراً إلى ما بعد وفاته ليوزع وفق النظام الإسلامي». توزيع الأموال والعقارات في زمن حياة المورث يحد من النزاع بين الأبناء وأضاف:»الآن نعود فنقول: إذا أراد أن يوزع في حياته فما هو النظام الذي ينبغي أن يلتزم به؟، والجواب بكل تأكيد يجب ألا يوزع إلا بعدالة، والسؤال الآخر هنا: هل العدالة أن يساوي بين الذكور والإناث؟ أم العدالة أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين؟، والجواب أن الفقهاء اتجهوا في هذا إلى قولين: قول بأن كل الهبات في الحياة يستوي فيها الذكر والأنثى فلا يفاضل بينهما ويؤجر ولا يأثم، وقول آخر بأن الهبات في الحياة كما في توزيع التركة بعد الوفاة؛ فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، ولكل من القولين ما يؤيده من الكتاب والسنة ومن أخذ بأحدهما فلا بأس عليه». نظرة قانونية وأشار إلى أنه في توزيع الإرث على الورثة يحق للمورث أن يقوم بتوزيع الإرث كما يشاء دون أن يخالف الشريعة الإسلامية؛ لأن النظام القانوني يتبع الشريعة في توزيع الإرث ولا يتعارض معها، وهنا نجد أن القانون لا يتعارض تماماً في رغبة المورث في توزيع الإرث على الورثة حال حياته طالما لم يخالف الشريعة الإسلامية. وعن أهمية توزيع الإرث في الوقت الراهن للشركات العائلية، قال «البحري»:»حفاظاً على حقوق الورثة ولمسايرة الأعمال دون تعطيلها، وحفاظاً على عدم توقف الأعمال للشركات العائلية أن توزيع التركة وتوزيع الأنصبة في الشركة العائلية من أهم مجريات الأمور، واستكمالاً لنجاح واستمرارية العمل طالما انه لا يخالف الشريعة في اتباع العدالة في توزيع الأنصبة. الحفاظ على الترابط وعلق «د.صالح اليوسف» -القاضي بمحكمة الاستئناف بالدمام- على توزيع الورث، قائلاً: أولاً الإرث أو التركة من الأمور التي جعل الله تعالى تحديد مقدارها إليه سبحانه، ولم يجعل ذلك إلى الناس في تحديد الانصباء أو الورثة، بل حتى الوصية بالثلث، وأقل ليس للشخص أن يوصي لأولاده وبقية ورثته بشيء منها، وذلك حفاظاً على الترابط بين الأسرة، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق بين الورثة، ولذا فإن الإسلام هو الذي يوجد فيه أفضل نظام يحفظ هذا المال، ويحافظ على الترابط الأسري، ويزيل أسباب الخلاف ويجمع بين العدالة والكفاءة. د.اليوسف: يحافظ على الترابط الأسري ويزيل أسباب الخلاف شرط العدالة وأضاف:»المسلم له ثلاثة أمور في ماله أن يبقيها مالاً له وتكون إرثاً بين ورثته، أو يوزعها بين ورثته في حياته، أو أن يوزع جزءاً ويبقي الجزء الآخر، وذلك بشرط تحقيق العدالة، وهل يكون توزيع التركة حسب الميراث الشرعي إما بالتساوي، واختلف أهل العلم في ذلك بين قائل بالتوزيع حسب الميراث الشرعي وبين قائل بالتوزيع بين الورثة بالتساوي، لأن التوزيع في حياة الشخص يعتبر هبة، والهبة بين الأولاد في الحياة مطلوب فيها التسوية، ولأنها لا تعتبر إرثاً فيأخذ حكم التركة، اما مردود ذلك على الورثة فالأصل في ذلك انه خير لهم، لا سيما بوجود مرجع استشاري لهم وهو مورثهم الذي سيحرص على تقديم كل ما فيه خير لهم، ولكن تبقى المسألة الأصعب وهي نضج الفكر وحسن التصرف لدى الورثة بتقديرهم وتثمينهم للخطوة التي اقدم عليها مورثهم، ودراسة الخطوات التي يقدمون عليها في هذا المال والحرص على الحفاظ على هذه المقدرات المالية، وطلب العون والتسديد من الله تعالى واستشعارهم المسؤولية في إدارة المال وحسن التصرف في تحقيق الآمال التي يتطلع إليها مورثهم فيهم، ويجتهدون في أن يكونوا عند حسن الظن، وليتذكروا أن هذا المال خير إن أحسن الواحد تصريفه، وشر إن أساء الواحد التعامل به، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وبهذا أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم. الزامل:التوزيع ليس مقصوداً بذاته وإنما استمرار الشركات.. التصرف في المال وأشار إلى أن الإسلام جعل الإنسان متصرفاً في ماله؛ ولذا فالرجل والمرأة على السواء لهم التصرف في أموالهم كيف شاؤوا وأرادوا، وذلك في الأمور المباحة دون قيد او شرط، ومنها أن الشخص له توزيع تركته، أو جزء منها اذا رأى ان ذلك اصلح له ولورثته، وكذلك له الوصية بمالا يتجاوز الثلث في أمور الخير والبر والصدقة، وله كذلك وقف جزء من ماله في امور البر والخير، داعياً كل مسلم أن يقدر المصلحة والخير في كل ما ينوي القيام به، ويبتغي بذلك إرضاء الله، فالمال رفعة للإنسان في الدنيا والآخرة إذا كان مالاً حلالاً وأحسن الإنسان الصرف منه على نفسه ومن يعول، وأخرج زكاته، وأنفق منه في سبل الخير والبر. آل سنان: شركات عائلية عانت من النزاعات بعد وفاة المورث برمان: 95% من النشاط التجاري «عائلي».. و»المساهمة» 1%