صعبة هي لحظات فراق من عرفناهم، ولكن الأصعب هو فراق من كان يمثل الجزء الأكبر في حياة الكثيرين ممن هم حوله، فقد انتقل والدي علي السليمان الحمدان إلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة الموافق 1432/2/10ه بعد معاناة طويلة مع المرض فكانت وفاته فجيعة لكل من عرفه. وها أنا بعد مرور شهر على وفاته رحمه الله أحاول ان أكتب إليه كما تعودت واخوتي ان نتحدث إليه في حياته، فأقول له: اعذرني يا أبي لتأخري بالكتابة عنك فأنا حتى الآن لم استفق من مصابي، ولم استوعب حتى هذه اللحظة بأنني لن أراك بعد الآن في هذه الدنيا، وما زلت أتوجه يومياً إلى غرفتك التي تعودنا ان نراك بها فأجدها خالية تشكو من غيابك بعد ان كانت مضيئة بوجودك وملتقى الجميع. فقد كنت أباً وأخاً وصديقاً وموجهاً للجميع. كنت أنت من يبادر بتلمس همومنا بهدف حلها. وكان صدرك الحنون يحتضن كل أبنائك وأحفادك وغيرهم، كما يحتضن المرسى الكبير كل السفن التي ترد إليه، فقد أتعبت قلبك الحبيب بكثرة ما حملته من هموم غيرك. كنت يا أبي وستظل إن شاء الله تعالى مدرسة للأخلاق الحميدة، ليس بالقول فقط بل بالفعل أيضاً، فقد كنت مربياً تحرص على ان يتحلى كل أبنائك وأحفادك بمحاسن الأخلاق وقبل ذلك بتأدية واجباتهم الدينية، ولم تكتف بذلك يا أبي في حياتك بل كررت ذلك مراراً في وصيتك التي كانت كما كنت أنت في حياتك عطاء في عطاء، فجزاك الله عنا خير الجزاء. لقد رحلت يا أبي وتركت في قلوب كل من عرفك غصات لا يعلم حجمها إلاّ الله وحده، ولكننا لا نملك في مصابنا الكبير إلاّ ان نقول كما قال سيد الأولين والآخرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «إن القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون». ولكن عزائي بأنك قد انتقلت إلى أرحم الراحمين بعد ان قاسيت الكثير في مرضاك، داعياً الله العظيم بأن تكون ممن عنتهم الآية الكريمة: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) الفجر: 27-30 ولعلي أجدها فرصة لتذكير الجميع بالبر وأمهاتهم أحياء كانوا أم أمواتاً، واغتنام جميع لحظات الحياة للبر التام بهما بكافة الوجوه والأحوال والدعاء لهما وصلة رحمهما والتصدق عنهما بدون كلل أو ملل. رحمك الله يا أبي رحمة واسعة، وجمعنا بك في الفردوس الأعلى من الجنة.