بوفاة الشيخ صالح بن عبد العزيز الراجحي تفقد أمتنا رجلاً مجاهداً بماله، تنفق يمينه ما لا تعلمه شماله، إنه جواد في أعمال الخير والبر والإحسان نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً ، لهذا الرجل رحمه الله مسيرة ممتدة ومتواصلة مع البذل والعطاء والبر والإحسان والمعروف، وله أياد بيضاء نقية من الغل والحسد والبغضاء والمنّ والأذى، اتصف بالسماحة ولين الجانب والخلق الحسن والسخاء والكرم والتواضع وغيرها من الصفات التي يشهد بها كل من عايشه وتعامل معه، الصورة الذهنية التي يحملها أفراد المجتمع السعودي عنه هي المساهمة في وجوه الخير؛ فلا يذكر الشيخ صالح الراجحي إلا وتذكر المساجد التي أنشأها، والمبرات التي تبناها، والمشروعات الخيرية التي أسهم بها، يحظى الشيخ الراجحي بحب جارف لدى الجميع في بلادنا، يقدّره ولاة الأمر، ويجمع على أعماله الصالحة أهل العلم والفضل، ومن رأى جامع الراجحي أثناء الصلاة عليه يتضح له ذلك؛ حيث تقاطر الناس إلى الجامع بشكل كبير جداً، امتلأت جنبات الجامع بالمصلين، وازدحمت المقبرة بالمشيعين،لم يجتمعوا إلا لأنهم يكنون له حباً كبيرا لأعماله الصالحة؛ فالجميع يدعون له، ويذكرونه بالخير ويشهدون له بذلك، وهذه كلها علامات خير، ومن حسن الخاتمة لهذا المحسن الكبير (رفع الله منزلته في الجنات العلى). قد مات قوم وما ماتت فضائلهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات وضع الشيخ صالح الراجحي (أجزل الله له المثوبة) قول الله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)، والحديث النبوي المتفق على صحته: (رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق)، فوضع هذين النصين الكريمين نصب عينيه فبذل ماله في مختلف ميادين العمل الخيري؛ لأنه يؤمن أن الحياة لا بد أن تقوم على التكافل والتعاون بين الجميع؛ فشيَّد المشروعات الدعوية والتنموية والخيرية، ودعم البرامج التعليمية والاجتماعية والصحية؛ أعمال إنسانية وخيرية كثيرة وعظيمة لا يحصيها إلا العليم الخبير، نسأل الله أن يجعلها في موازين حسناته. إنّ سعي الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي (أجزل الله له المثوبة) إلى الأعمال الخيرية والمبادرة بها من أجل خدمة الدين والدعوة إليه، وتلمس احتياجات المسلمين ليست وليدة اللحظة، بل هي مسيرة ممتدة منذ عقود ماضية، ولغة الرقم هي الفيصل هنا، ودعونا نذكر جانباً من إسهامات هذا الشيخ المبارك رحمه الله: قام الشيخ صالح الراجحي وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً ببناء والمساعدة ببناء أكثر من (500) مسجد وجامع في أنحاء المملكة. أسهم الشيخ بشكل سنوي في نشر القرآن الكريم ودعم حلقاته؛ حيث يصل دعمه إلى أكثر من (100) جمعية خيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مختلف مناطق المملكة. دعم الشيخ مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات في بلادنا المباركة؛ حيث وصلت هباته المتنوعة لما يزيد عن (120) مكتباً في مختلف مناطق المملكة. دعمه المستمر لجمعيات البر الخيرية؛ حيث تصل عطاءاته الخيرية المتنوعة (المادية والعينية) سنوياً إلى أكثر من (100) جمعية خيرية في مختلف مناطق المملكة. وفي مواسم النفحات الإيمانية، وتحديداً في موسمي رمضان والحج نجد أن له إسهامات كبرى في تيسير مناسك الحج لغير القادرين على أدائه؛ حيث إن له مع أشقائه الكرام مخيماً خيرياً منذ أكثر من (40) سنة مضت، وقد توسع العمل في برنامج الحج الخيري في السنوات الأخيرة ليصل إلى سبعة مخيمات، تقدم فيها كل الخدمات للحجاج مجاناً، بالإضافة إلى اهتمامه الكبير في توزيع الوجبات المتنوعة والإفطار على الصائمين والمعتمرين والحجاج، والتي تزيد سنوياً عن (3) ملايين وجبة. وحفاظاً على هذا السجل الحافل بالأعمال الخيرية ورغبة في تواصلها واستمرارها أنشأ الشيخ صالح الراجحي عام 1417ه مؤسسة وقفية كبرى، تُعرف باسمه لتتولى النظر والرعاية والإشراف على الأوقاف (العقارات والمزارع) التي أوقفها، وتتولى كذلك صرف عوائدها الربحية والاستثمارية والإنتاجية في المصارف الخيرية التي حددها في صك الوقفية، وتزيد قيمة أصول هذه الأوقاف (التقديرية) حالياً عن عدة مليارات من الريالات، وربما يجعلها ذلك أكبر مؤسسة إسلامية وقفية خيرية خاصة في عصرنا الحاضر. والمطلع على البرامج والأعمال الخيرية التي قامت بها هذه المؤسسة المباركة خلال عمرها الزمني القصير يحمد الله تعالى أن أوجد من أثرياء المسلمين من يوقف هذه الأوقاف الضخمة التي يعود ريعها للصرف على المحتاجين والمعوزين، وإلى خدمة الدين ونشر أحكامه في المجتمعات المسلمة، وقد قدّمت مؤسسته الوقفية (إدارة أوقاف صالح عبدالعزيز الراجحي) أكثر من (400) مليون ريال في مختلف وجوه الخير والبر والإحسان للمستفيدين منها، سواء الدعوية أو الاجتماعية أو التنموية أو الصحية، وأسهمت ببناء المدارس والمراكز الصحية والاجتماعية في مناطق المملكة، ودعمت البرامج الخيرية المتنوعة. إن أوقاف الشيخ صالح الراجحي تعد أنموذجاً مشرفاًً لتلك الأوقاف التي شاعت في أمتنا الإسلامية واستمراراً لمنهجها القويم وانسياقاً مع أهدافها السامية، وقد أعاد الشيخ من خلال أوقافه الخيرية إلى الأذهان الأوقاف التي انتشرت في بلدان العالم الإسلامي في القرون الماضية بعدما أحجم الناس عنها في بلادنا سنين طويلة. إن تسليط الضوء على جوانب من أعمال هذا العَلم وإبرازها جزء من حقه علينا، ومن باب الوفاء لصاحب هذه الفضائل في وطننا المبارك، وفي ذلك أيضاً حث لرجال المال والأعمال للاقتداء بالشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي (أجزل الله له المثوبة)، نسأل الله أن يجعل ما قدم الشيخ صالح الراجحي في ميزان حسناته، وأن يغفر له، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن ينفع بأولاده وذريته ليواصلوا هذه السيرة العطرة المباركة. * أستاذ العمل الخيري المؤسسي المشارك – جامعة الإمام