".. ثم دنت منه امرأة تحمل طفلها على ذراعيها وقالت له: هات حدثنا عن الأولاد. فقال: أولادكم ليسوا لكم . أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم. وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء, ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس. أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم... ". كلمات كتبها جبران خليل جبران قبل أكثر من مائة عام ، غاص بوعيه ، وفكره ، واستشرافه، وسبرَ أعماق النفس البشرية ، وقرر أن العقل يتطور ، وأن الحياة كما النهر المتجدد دوماً ، وما هو سائد هذا اليوم من فعل وسلوك ومفاهيم ، يتغير في الغد ، فالحياة لكي تُعاش وتُصنع أقدارها يجب أن نتعاطى معها من منطلق التغيير المستمر ، والفهم للتحولات والمستجدات المعرفية والثقافية ، وأن نعرف بأن الاجيال ليست في المطلق امتداداً ثقافياً ، ورؤيوياً لأفكارنا، وممارساتنا ، وأحلامنا ، وطموحاتنا . بل لهم طموحاتهم ، ولهم معارفهم ، وأنماط حياتهم التي يقولبونها ، وينمّطونها حسب مخزونهم الفكري ، وتحصيلهم المعرفي ، ورؤاهم في صناعة المستقبلات ، والعبور إلى التاريخ . يخطئ كثيراً من يريد ، أو يسعى ، أو يحاول أن يدجّن الشباب ، ويخضعهم إلى نمطه الحياتي ، والثقافي ، ويحدد لهم الدروب والمسالك التي عليهم أن يأخذوها في مساراتهم ، ويفرض عليهم نوع الثقافة التي يجب أن يحصروا أنفسهم ، وعقولهم في دائرة مضامينها ، فالعقل يسمو ، ويستوعب ، ويحلل ، ويفكر ، ويستشرف ، وينتج أدوات جديدة يناضل بها ومن خلالها في صناعة واقعه ، وصياغة أهدافه ، وتكريس منتجه الحياتي . قد يكون جيلنا يتمتع بنوع من الحكمة التي تراكمت عبر التجارب ، لذا فإنه من الواجب أن نوظف هذه الحكمة في فهم عقول وثقافة الشباب ، وأن نقيم حواراً معهم يستند في الأساس إلى احترام عقولهم ، وثرائهم الفكري ، ونحاول تجسير الهوة الثقافية بيننا وبينهم ، فلا نتعالى عليهم ، ولانمارس معهم نوعاً من السلطوية القمعية ، أو فرض الهيمنة الثقافية والحياتية والتعليمية على فضاءاتهم المنطلقة إلى رحاب قد لانفهمها ، أو لانستوعبها . لنأخذ مشهداً سيظل في الذاكرة الجمعية يبين المسافات الشاسعة بين عقل جيل وآخر . نستدعي صورة الجمال ، والخيول تجتاح ميدان التحرير في القاهرة في إشارة لثقافة الغزو بالأدوات المعبرة عن مخزون العقل ومنتجه عند جيل ، وشباب يتعاملون مع " الفيس بوك " و" التويتر " و" اليوتيوب " والشخص منهم في العشرين من عمره ، ويتعامل مع معلومة وثقافة قد لاتكون متوفرة عند من تعدى الخمسين من عمره . الحكمة .. إن أردتم الحكمة وطلبتموها ، أن نفهم الشباب فهم يقطنون في مسكن الغد..