في مقاليّ السابقين تحدثت عن بعض السلوكيات التربوية الخاطئة التي يقع فيها الاباء والامهات والمربون.. ويدفع ثمنها الأبناء طوال حياتهم لانها تترك بصمات لا تزول في شخصياتهم ونفسياتهم وتؤثر على توازنهم النفسي. وقد وصلتني العديد من الرسائل باح فيها اصحابها بانهم ما يزالون يعانون الى اليوم رغم انهم راشدون وناضجون من تأثير اخطاء التربية التي تلقوها وهم صغار. إحدى هذه الرسائل حملت هذه العبارات: - “عندما قرأت مقاليك والوصف الذي وصفت به تصرفات الابوين الانانية في تربية الابناء.. رأيت ملامح كثيرة في نفسي من هذه الاخطاء.. واكتشفت سر فشلي في الحياة رغم اني تجاوزت الثلاثين”. ورسالة اخرى حملت عبارة واقعية يقول فيها صاحبها: - “هناك حقيقة اشرت اليها في مقاليك نادراً جداً ان تجدي شخصاً لم يعانِ منها في حياته.. وهي انه من الصعب جداً ان يتقبل الاباء اولادهم في اختلافهم عنهم.. بينما يسهل عليهم تقبل الغرباء في ذلك!”. بينما حملت باقي الرسائل العديد من التساؤلات معظمها كان يدور حول ما الاسلوب الافضل للتربية ونقل تراث الماضي من قيم ومبادئ ومثل دون الوقوع في خطأ فَرْض ذلك؟! وأقول ردًا على ذلك: لا شك في ان من حق الاجيال الصاعدة ان تعيش ذواتها. وتنال حرية التعبير عن انفسها.. لكن هذا لا يعني بالطبع ان نبارك كل ما هو جديد يصدر منهم دون توجيه وتقويم وتعديل! ولا ان يُقدّم الوالدان تنازلات تربوية في محاولة لكسب شعبية رخيصة لدى الجيل الصاعد! واحترام اختلافهم عنا.. وانهم ولدوا لزمان غير زماننا لا يعني ان نضرب بتراث الماضي عرض الحائط. ففي هذا التراث قيم انسانية خالدة دينية وخلقية وثقافية وحضارية. بل على الاباء والامهات ان يجتهدوا بنقل هذه القيم لاولادهم وبناتهم.. ولكن دون الاعتماد على طريقة الفرض. بل بشهادتنا الحية لها. فالاعتزاز بالقيم والمثل العليا والتمسك بها لا يقوم على اجترار عبارات مكررة. انما بحفظها حية بتجسيدها في مواقف وعبارات تتجدد مع الزمن. علينا نحن كآباء وأمهات ان نرسخ تلك القيم ونترك لابنائنا مهمة ان يجدوا مع معاصريهم التعبير الجديد لها.. لان مهمتنا تقف عند حد منحهم الثقة لتكون عونًا لهم في مهمتهم الشاقة هذه. وإن وجدنا خطأ في امر من الامور.. فلننتقدهم بعقلية متفهمة منفتحة.. تبتغي ان تتعلم منهم بقدر ما تحاول ان تعلمهم. وقد قال جبران خليل جبران عبارات عظيمة في ذلك اذكر منها: “انتم الاقواس.. واولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن اقواسكم”. كما قال: “في طاقتكم ان تصنعوا المساكن لاجسادهم.. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.. فهي تقطن في مسكن الغد الذي لا تستطيعون ان تزوروه ولا في احلامكم!”. رسالة رابعة انتقدت ما اشرت اليه عن استخدام الابوين لمسألة الرضا والعقوق وكأنها سيف على رقاب الابناء. ودخل صاحبها في تفصيل لا داعي له عن العقول وملامحه وصوره وعقابه. الامر الذي يؤكد انه لم يفهم جيداً ما قصدته في مقالي لذا فاني ادعوه الى قراءته من جديد. موضحة هنا انني قصدت ان هناك بعض الاباء والامهات الذين يتهمون ابناءهم بالعقوق في الكبيرة والصغيرة وبلزوم ودون لزوم.. ويسلطون سيف الرضا والغضب لابتزازهم عاطفياً ولإخضاعهم للسلطة الابوية. هذه الممارسات غير سوية.. تحصر غاية الانجاب في منفعة الوالدين فقط. سواء كان هذا النفع في تلقي المساعدة المادية من الابناء.. او في تجنيدهم للخضوع لهم بلا حول ولا قوة او في تخليد ذكرهم بعد الوفاة. إن الابناء لم يُخلقوا لغاية خدمة غرور الوالدين وطموحهما وسعيهما الى الكمال.. بل خلقوا لغاية أخرى.. وهي متابعة إعمار الأرض.. فهلا ساعدناهم في ذلك؟!