الكثير من المواطنين ينادون بالتشهير لمن يمارس الغش التجاري ، بمن فيهم من دأب على ترويج البضائع والمنتجات الغذائية المنتهية الصلاحية . وتمتد المطالبة إلى من قام بتأجيرهم المستودعات والمخازن . والمسألة الآن فيما يبدو يعيقها ، أو يعيق تنفيذها عقبات منها ، مثلا ، من تكون بيده سلطة إجراء التشهير، ومن يعمد بالإعلان ويدفع مصاريفه ويتحمل نتائجه القانونية . والمواطنون لهم الحق في معرفة من غشهم ومن تربّص بصحتهم . وتكتفي صحة البيئة – مثلا – بوضع إشعار على باب المحل المقفول يقول الإشعار شيئا عن مخالفة المحل للشروط الصحية ، وهذا جيد ومتعارف . والمتتبع للأنظمة الوضعية في البلدان التي سبقتنا سيجد أنه لا يوجد في أنظمة الردع والعقاب شيء اسمه التشهير . فالقضية تأخذ مجراها مدنياً وبحجم الضرر الذي أورثته ، ثم يُصار إلى التنفيذ بغرامات تدخل خزينة المجلس البلدي الذي وقعت فيه المخالفة . وتأخذ الصحف المحلية حريتها في نشر الموضوع – كخبر – ما دامت مستندة إلى حكم قاض . وهذا في العرف المدني والحضري كاف لجعل قراء الصحف يأخذون علما بالواقعة ، دون إضافات ودون ما حكم به القاضي . لكن ، وعندنا ، حيث تغييب كل شيء ، ما فائدة نشر خبر ضبط محل أو مستودع وإغلاقه إذا كان قد كتب عليه بخط كبير (مغلق بسبب الصيانة).. وما جدوى عقوبة صاحب منشأة منتجاتها معروفة، عندما اكتشفت فيها دوريات حماية ( إن وجدت ) المستهلك مواد أولية منتهية الصلاحية.. إذا ظل ذلك طي الكتمان ولم يسمع به أحد حتى عمال الشركة؟! عشرات القصص اليومية عن ضبوط مخالفات غش أو غلاء فاحش أو تقليد تبقى مجهولة أسماؤها وعناوينها ويفلت منها أبطالها وينساها الناس الذين لم يسمعوا عنها أصلا بمرور الزمن.. والسبب في هذا كله أن الرأي العام مغيّب عن معالم تلك المخالفات والسلع المغشوشة ولم يسمع بأسماء فاعليها ولم يشاهد أشكالها ليقاطعها ولتفقد بريقها وتخسر مكانها وتخرج بغير رجعة من السوق. ومراراً اعترفت الجهات الرقابية عندنا بأن فرق المراقبة الميدانية التي تتولى مهمة التصدي لتداول السلع المغشوشة والمواد الغذائية الفاسدة، غير قادرة على أداء مهمتها على الوجه المطلوب، بسبب قلة عدد العاملين في هذه الفرق قياسا بعدد الجولات التي يجب تنفيذها وعلى الأخص في المدن ذات الكثافة السكانية العالية. والمردود المادي الذي يأتي من الغش يُغري .