"آآآه" وهي كلمة قد تصرخ بها عندما تتألم وما أكثر آلامنا هذه الأيام! قد تتساءل عندما تداهمك حالة خوف فجأة لظرف ما عن أسباب هذا الخوف، عن مصادره داخلك، قد تجد له تفسيرا حيويا بيولوجيا يتمثل في زيادة ضربات قلبك وقد تتذكر معادلة حيوية درستها في الجامعة و كتبتها كإجابة في امتحان عن ارتفاع هذا الهرمون ونقص ذاك وتفسر حالة القلق التي تصاحبك حين يصبح الخوف مركبا. كيف نتعلم الخوف؟ وقبل أن نبحث عن إجابة عن السؤال، قد ندخل في مناقشة فلسفية عن ماهية الخوف؟ هل هو من المشاعر المكتسبة أم الأساسية التي نولد بها؟ ولكل صاحب وجهة نظهر هنا أدلته التي تدعم رأيه، لكننا إذا كنا نتحدث عن الخوف الإنساني البسيط من الأشياء المجسدة حوله كخوفه من حيوان مفترس أو مادة كيميائية خطرة أو نتائج حتمية لقرار يتخذه أو تصرف يقوم به فإننا نتحدث عن دور الإدراك و الوعي والتجربة وهنا نتحدث عن عدة عوامل تتحكم في صنع المشاعر ونتحدث عن ذاكرتنا التي تختزن تجربة الشوربة الساخنة وتجعلنا ننفخ في الزبادي كما يقول المثل المصري المشهور- جملة معترضة؛ ولأننا ذكرنا مصر فإننا ندعو الله أن يحميها وأهلها من كل شر- والمثل الشعبي هذا يجسد بطريقة عفوية معنى الخوف الذي تزرعه التجربة، ولمن يهتمون بذلك أحيلكم إلى تجارب أجريت في منتصف القرن الماضي -إن لمن تخني الذاكرة كان محورها "الطفل آلبرت"- التي أكدت للباحثين أن الخوف من أشياء معينة يُكتسب وهي تجارب لن تتكرر ولن تعاد في هذا الزمن نظرا لقوانين البحث الأخلاقية التي تمنع مثل هذه التجارب التي تعرض الشخص للخطر، لكن اختلافنا معها لا يمنعنا من الإشارة إليها. آلبرت كطفل لم يتجاوز عمره الأشهر وضعت أمامه حيوانات أليفة وغيرها من الأشياء وبفضول الطفل كان يتعامل معها بعفوية فهو لا يفرق مثلا بين الفأر وبين الدمية لإن إدراكه لما حوله لم ينضج بعد، بعد ذلك صاحب كل تقديم لشيء من هذه الأشياء صدور صوت مفزع، ثم وضعت نفس الأشياء أمامه فأصبح يبكي وينفر منها في حالة ذعر لأنه يربطها بذلك الصوت المزعج بغض النظر عن ماهية هذه الأشياء، الصغير تعلم الخوف، ومن خلال تجربة تعرض لها. حين تغمض عينيك في لحظة صفاء، وتعد الأشياء التي تخاف منها، قد تطول القائمة، و لو فكرت قليلا لوجدت أنك تعلمت الخوف من تجربة ما، فأنت مثلا تعلمت أن تبتلع آراءك لأنك تعرضت للقمع مرة وللتسفيه مرات كثيرة، وتعلمت أن تختار كلماتك لأنك تعرضت لتفسير سيئ مرة أو مرات، وتعلمت أن لا تضع يدك قريبا من النار لأن فيها آثار حرق قديم حين كنت صغيرا، أصبحت تكره تناول أكلة معينة لأنك تعرضت لتسمم أو مضاعفات معينة حين أكلتها في زمن مضى، تعلمت أن تتجنب السير في مكان معين لأن هناك من ضايقوك في هذا الشارع قبل أسبوع أو أسبوعين. وهناك أيضا الخوف الإيحائي إن صحت التسمية، فأنت مثلا تخاف ركوب الطائرة لأنك شاهدت كارثة تحطم طائرة في الأخبار، وقد تخاف مثلا الصورة النمطية للإرهابي أو الصورة النمطية للمجرم التي تراها في الإعلام من أخبار وحتى أفلام ومسلسلات. وقد تخاف من جارك لأنه تنطبق عليه المواصفات الشكلية للشخص التقليدي الذي يوصف بالظلامية أو الليبرالي الذي يوصف بالعمالة" بدون أن تتساءل؛ هل التقليدية تعني الظلامية وهل جاء في القاموس أن الليبرالية تعني العمالة والانفلات الأخلاقي؟ وبدون أن تتساءل عن أفكار هذا وأفكار ذاك وبدون أن تقف وترى. كم كل منها يشبهك كثيرا ولا يختلف عنك في اللغة والشكل والانتماء والهموم والتطلعات، لأنك تعلمت الخوف من هذا أو ذاك. كلها تجارب مررت بها، منها ما يعلمك الخوف ليوم أو يومين ثم تنسى أو تتجاوزها، لأن تأثيرها قليل ومنها ما يعلمك الخوف لعمر كامل.