ما أن يطل علينا عام دراسي جديد حتى تنهال الإعلانات التجارية عن مدارس أهلية لتحفيظ القرآن الكريم، سواء للبنين أو البنات.. وفي المقابل نجد انتشاراً واضحاً للمدارس الحكومية لتحفيظ القرآن الكريم، وكذلك الحلقات في المساجد والجمعيات الخيرية، بل وتكون بشكل غير ربحي أو تجاري؟. وهنا نطرح أكثر من سؤال: ما الفرق بين هذه المدارس وما يقدم فيها عن المدارس الحكومية؟، وما جدوى نجاحها على مخرجات العملية التعليمية؟، وهل تتغلب الناحية التجارية على التعليمية في هذا النوع من المدارس؟. مطلب وهدف في البداية يقول "د.نوح الشهري" -أستاذ مساعد في جامعة الملك عبدالعزيز ومدير معهد الإمام الشاطري-: أي مشروع يحث على خدمة القرآن الكريم، ويحمل في مضامينه هدف ورسالة نشره بين الناس بأساليب تقنية وحديثة، هو هدف ومطلب، سواء كان خيرياً أو حكومياً أو أهلياً، مضيفاً: "أنا لا تهمني قضية النواحي المادية، بقدر ما يهمني الخدمة للمسلمين، ولا أظن أن هناك مانع في هذا الموضوع، أو فيما يتعلق بإنشاء مدارس لتحفيظ القرآن، فمثلاً هناك جمعيات لتحفيظ القرآن في المملكة يخول لها النظام الذي وضعته وزارة التربية والتعليم، أن تفتح مدارس أهلية لتحفيظ القرآن الكريم، وهذه المدارس وإن كان لها إيرادات ولها ربح سنوي، فإن هذا الربح سيصرف على تدبير هذه المدارس وتوسعها، إلى جانب زيادة الرواتب واستقطاب الكفاءات المميزة لها، وبالتالي سيكون قوة الاستقرار المالي لتلك المدارس هو قوة لنجاحها واستمرارها لتحقيق أهدافها ورؤيتها. هل نحن بحاجة إلى منح تراخيص تستثمر باسم القرآن؟ وما جدوى نجاحها على مخرجات التعليم؟ إقبال نسائي وأوضح "د.الشهري" إن الملاحظ الآن في دور التحفيظ النسائية وجود إقبالٍ شديدٍ منهن لحفظ القرآن وتلاوته؛ لرغبتهن الذاتية وحاجتهن للقيام بدورهن في تربية أولادهن، متوقعاً أن الإقبال على حفظ القرآن من قبل النساء كبير، لكن قد يكون هناك آليات ووسائل وطرق تناسب طبيعة المرأة، من حيث إنها لا تستطيع الخروج للدراسة يومياً، أو ربما في بعض الأيام وبعض الأوقات، مشيراً إلى أن هذا ما تشهد له الأرقام في جمعيات الخيرية في المملكة، فهناك قفزة نوعية في مدارس ودور تحفيظ القرآن، بالإضافة إلى معاهد إعداد المعلمات لتعلم القرآن. استثمار تجاري ويقول "د.عبد العزيز قنصل" -أستاذ العقيدة في جامعة الملك خالد بأبها-: بالنسبة للاستثمار بالمدارس الخاصة سواء كانت تحفيظ القرآن أو عامة، فأرى أن الغرض هو الاستثمار التجاري، بعيداً عن التحصيل العلمي، ولنا تجارب مع هذه المدارس بأن طلاب كثر يتخرجون من المدارس الخاصة بنسب تتجاوز (90%) وهم لا يملكون من التحصيل العلمي أي شئ، وإنما الذي يملكونه السيولة المادية التي تعطى لحصة المدرسة، مضيفاً: "نجد أن الطلاب الذين يتخرجون من هذه المدارس عندما يلتحقون بمدارس حكومية أو جامعات يتبين المستور، وأن هذا لم ينجح إلا بمقابل المادة"، لافتاً إلى أنه لا يطالب بإغلاق المدارس الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم، ولكنه يتساءل: لماذا لم يتم استيعاب الطلاب في المدارس الحكومية، مثل ما هو حاصل في الصين، حيث يوجد أكثر من مليار ونصف طالب، بينما أعدادنا هنا في المملكة قليلة، ذاكراً أن بلادنا والحمد لله خيراتها وصلت إلى القاصي والداني، بل وفي جميع أنحاء العالم، مشدداً على ضرورة أن يصبح لدينا جامعات تقبل الطلاب، ومدارس حكومية تستوعب الكم الهائل من طلبة العلم. لا تثقف الشخص وأكد "د.قنصل" على أن عدم استيعاب المدارس الحكومية للطلاب، أجبر بعضهم على التوجه إلى المدارس الأهلية، مضيفاً أن المدارس الحكومية لديها مصداقية على الأقل بنسبة (70-80%) من التعليم، أما المدارس الخاصة فنسبة مصداقيتها لا تتجاوز (30%)، لافتاً إلى أن المدارس الأهلية سواء لتحفيظ القرآن أن غيره لا تختلف عن المستشفيات الخاصة، والتي لا هم لها سوى جلب المال، وليس تأهيل الطالب وتثقيفه وتعليمه، بغض النظر عن المادة، مطالباً باختبارات من خارج هذه المدارس الأهلية، لتساهم في تقييم مستوى الطلاب جيداً، مبيناً أن امتحانات القدرات ليست مجالاً ولا مقياساً لأي موهبة علمية، وتحتاج إلى إعادة صياغة ونظر. قاسم مشترك وأوضح "د.قنصل" أن اختبار القدرات لا يعمل على تقييم القضايا العلمية، فالمفروض أن تكون الأسئلة فيما تعلمه الطالب خلال سنوات دراسته في المرحلة الثانوية، أما سؤاله أسئلة عامة لا تمت للمناهج بصلة، فليست مقياساً للتفوق، مشيراً إلى أنه لابد أن يكون هناك قاسم مشترك بين المدارس الأهلية والعامة كمناهج الدين والعربي والوطنية، وتفرض على المدارس الخاصة، ثم تأتي اللغات والحاسب الآلي، وهذا ما نحتاجه حتى لا يكون التعليم لدينا نسخة مكررة في التعليمين الأهلي والحكومي. تنمية حب القرآن ويقول "مبارك العواد" -مدير مدرسة أهلية-: إن هذا النوع من المدارس يُعد جزءاً من منظومة التربية والتعليم، والتي تبذل حكومتنا الرشيدة جهوداً عظيمة في سبيل الارتقاء بها، فنحن بعون الله ملتزمون بالأهداف الواردة في سياسة التعليم بالمملكة، مع التركيز على غرس الولاء للعقيدة الإسلامية والالتزام بأحكام الشريعة، بالإضافة إلى تنمية حب القرآن الكريم والسنة النبوية والعناية بهما تلاوةً و فهماً وحفظاً، إلى جانب إكساب الطالب القدرة على التواصل مع المجتمع، مستخدماً العربية الفصيحة محادثةً وكتابةً، كذلك توجيه المعارف والعلوم المختلفة توجيهاً إسلامياً، لتنسجم مع الإسلام منهجاً وفكراً، مع تزويد الطالب باللغة الإنجليزية لينهل من العلوم والمعارف العالمية ومواكبة التقدم "التكنولوجي"، أيضاً توظيف خصائص مراحل النمو، وتمكين الطالب من النمو المتكامل جسدياً ونفسياً وعقلياً، وتعزيز مواهب وقدرات الطلبة المتفوقين وصقلها وتنميتها، مضيفاً أن لدينا أيضاً مجموعة من الأهداف، منها معالجة حالات التأخر الدراسي وصعوبات التعلم لدى الطلبة الذين يحتاجون ذلك، وتفعيل منهج البحث العلمي التطبيقي؛ لرفع مستوى الأمة والنهوض بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة، إلى جانب إعداد الطالب وإمداده بما يلزم لدخول المرحلة الجامعية بكفاءة وتميز. وعن نظام التعليم في مدارس التحفيظ الأهلية للبنات تقول "لبنى الشيخ" -مديرة مدرسة لتحفيظ القرآن-: يعتمد نظام التعليم في المدارس وفق نظام مدارس تحفيظ القرآن الكريم، والذي يقوم على المناهج التعليمية الدراسية المعتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم، إضافةً إلى منهج تحفيظ القرآن الكريم وتجويده، بحيث تبدأ الطالبة بتوفيق الله خطواتها الأولى لحفظ كتاب الله منذ الصف الأول الابتدائي، وتتدرج في الحفظ حتى تختم الجزء السادس عشر عند نهاية المرحلة الابتدائية، ثم تكمل بعد ذلك أثناء التحاقها بالمرحلة المتوسطة، حتى تتوج خريجة حافظة لكتاب الله تعالى عند تخرجها، لتحمل بين جبينها نور القرآن وضياءه، مضيفةً: "لقد جعلت المدارس من أجيال الأمة القادمة هدفاً أساسياً تنصب فيه كل مجالاتها، وترسم على محيا كل جيل رسالتها، والتي تعني بإعداد أجيال تنهض بأمانه الدين وترفع راية العلم والعمل، وأجيال تحيى بصادق الإيمان وترتوي من آيات القرآن ووحي السنة، وتحمل روح المواطنة الحقة، يزينها الخلق الرفيع والمهارات المتميزة، لتكون رؤيتنا في النهاية مجتمع واعد، جعل من محكم القرآن الكريم زاداً، واتخذ من سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام منهاجاً، ليحصد من مخرجات العلم والتعلم ما يبلغ به مرتبة ورثة الأنبياء". الالتزام باللوائح وحذرت وزارة التربية والتعليم ملاك المدارس الأهلية من تجاوز الطاقة الاستيعابية عند قبول الطلاب والطالبات، وأن لا يكون هدفها هو الربح المادي فقط، بالإضافة إلى ضرورة التزام المدارس الأهلية بتطبيق أنظمة ولوائح التعليم الأهلي، وأكدت على جميع المدارس الأهلية في بداية العام الدراسي أن لا يكون السعي وراء الربحية هو الهدف الرئيسي. وعن كيفية الحصول على التراخيص لهذه المدارس وجدواها يحدثنا الأستاذ "محمد الزهراني" -مدير التعليم الأهلي بمنطقة عسير- بقوله: تراخيص المدارس الأهلية لتحفيظ القرآن مثلها مثل الترخيص لأي مدرسة بالتعليم العام، لا فرق بينهما في الشروط، وهي أن يكون الترخيص باسم مواطن أو خليجي، ولا يقل مؤهله عن الثانوية العامة، وأن يكون لديه سجل تجاري، إلى جانب حجزه اسم المنشأة، وأن لا يكون مسماها مشابه لمدرسة أخرى على مستوى المنطقة، مبيناً أن هذه أهم الشروط، يأتي بعد ذلك توفير البيئة المدرسية المناسبة، لهم من حيث المبنى والتجهيزات من جميع الجوانب، من ناحية الدفاع المدني والأمانة والبلدية. شريك للتربية والتعليم وأوضح "الزهراني" أن لدينا ترشيداً في عملية فتح هذه النوعية من المدارس، بل ولدينا في المنطقة مدارس للتحفيظ متنوعة المراحل، ذاكراً أن المدارس الحكومية منتشرة بكامل تشكيلاتها، ولكن نحن نرى أن المستثمر شريك للتربية والتعليم في العملية التعليمية، ونهيب فيهم أن يكون الربح التجاري هدفاً ثانياً وليس هو الهدف الأساسي من فتح مثل هذه النوعية من المدارس، متمنياً من أصحاب المدارس أن يؤدوا الرسالة التعليمية على أكمل وجه، ويستشعرون أهميتها ودورهم الإيجابي بما يخدم الطلبة، مبيناً أن من يحدد نوعية المدرسة بحيث تكون إما خاصة لتحفيظ القرآن أو عامة هو المستثمر، مؤكداً على أن الذي يُحكم هذا النوع من المدارس هو الطلب، فبعض الأهالي قد يكون لهم مواصفات خاصة، والمدارس الحكومية لها مواصفاتها، والأهلية قد تتميز بتكثيف بعض المقررات الدراسية الإثرائية التي لا تتوفر في التعليم العام، مثل اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي، وأيضاً نسبة كبيرة لدينا يفضلون الأهلية لإكساب أبنائهم خبرات إضافية أكثر .