فرط الحركة وتشتت الانتباه اضطراب يطلق على التلاميذ - الذكور والإناث - الذين يعانون من حركات جسمية وسلوكية تفوق الحد الطبيعي والمعقول دون هدف مباشر، وتؤثر سلباً على سلوك الطفل وانتباهه وتحصيله، حيث يبدو التلميذ غير طبيعي مقارنة بزملائه العاديين، وتظهر عليه بعضاً من الخصائص والصفات التي تميزه عن غيره ( كارتفاع مستوى النشاط الحركي بصورة غير مقبولة: مثل عدم القدرة على الجلوس في مكان واحد والتملل، إلى جانب تشتت الانتباه وضعف التركيز والاندفاعية، وعدم القدرة على ضبط النفس وسرعة الانفعال والبكاء، كذلك عدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية ايجابية مع الآخرين، وإصدار أصوات وحركات فجائية بلا مبرر،...). ويشكّل الصف المدرسي بما يتطلبه من انضباط ونظام وواجبات مهما كانت بسيطة عبئاً على هؤلاء الأطفال، ليس لأنهم مشاغبون، أو عديمي التربية أو لا يفهمون ما يطلب منهم، بل لأنهم لا يستطيعون الثبات في مكان واحد، وتركيز الانتباه لفترة مناسبة لوجود مشكلة مرضية لها تأثيرها السلبي على تطورهم النفسي وتطور ذكائهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وبذلك يواجه أهالي هؤلاء الأطفال صعوبات كبيرة في المجهود المضاعف الذي يبذلونه في التعامل مع أبنائهم، ويتهمون من قبل الآخرين بتقصيرهم وعدم قدرتهم على تربية طفلهم، وهذا بحد ذاته ضغط نفسي إضافي على الأسرة ينتج عنه قسوة على الأطفال وتعرضهم للاكتئاب والإحباط أحياناً. وتقدر نسبة المصابين بهذا الاضطراب في المملكة (12-16%) وهي نسبة عالية مقارنة بفئات ذوي الاحتياجات الخاصة الأخرى، ونسبة العاجزين عن إكمال المرحلة الثانوية بسبب فرط الحركة(30%). تواضع أدوات التشخيص ونوه "د.إبراهيم بن عبدالله العثمان" – قسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود، مستشار مشروع تطوير- إلى أن هناك جهوداً تبذل لذوي فرط الحركة وتشتت الانتباه من جميع الجهات ذات العلاقة كوزارة التربية والتعليم وبعض الجمعيات والمراكز الخاصة، إلاّ أن المشكلة تكمن في نوعية الخدمات وأدوات التشخيص المقننة؛ فهي غير مطبقة في البيئة التربوية، وإنما تقوم على جهود فردية من خلال ما يقوم به العاملين غير المتخصصين في الميدان التربوي. وقال"إن وزارة التربية والتعليم مازالت متأخرة في تقديم الخدمات التخصصية لطلاب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ لكونها هي الجهة الأولى والمسؤولة عن تلك الفئة بالرغم أنها قررت سابقاً فتح برامج تعنى بهم انطلاقاً من العام الدراسي 1429/1430ه ولم يتم ذلك"، مشيراً إلى أن إهمال تلك الفئة ينعكس على الطالب نفسه وتعليمه ومستقبله المهني وأسرته؛ لكونها الحاضنة الأولى له وكذلك على المجتمع لكونه يملك أفراداً لديهم إنتاجات جيدة وطاقات وقدرات معطلة ومهملة لم تستثمر. خدمات مفقودة! وأوضحت "د. فوزية محمد أخضر" - مديرة عام التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم سابقاً، عضو النظام الوطني للمعاقين - أن أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه من الفئات الحائرة التي تحتاج إلى خدمات التربية الخاصة غير (ذوي الإعاقة البصرية والسمعية والذهنية والجسدية التي تقدّم لها الخدمات). وقالت:"لقد خاطبت المسؤولين في وزارة التربية والتعليم عن تلك الفئة منذ أكثر من 15 عاماً، وذلك عندما أنهيت دراستي في بريطانيا، وعلمت بأن ذوي فرط الحركة موجودون في مدارس التعليم العام، ولا تقدم لهم الخدمات التربوية الخاصة، ونبهت حين ذاك أنه في حال عدم التعامل معهم وتقديم الخدمات المبكرة لهم ستكون آثار ذلك سلبية وكبيرة؛ على الأطفال أنفسهم والأسرة والمجتمع ككل في المستقبل، رغم أنها كانت مجرد مشكلة بسيطة آنذاك يمكن التغلب عليها لو تمت رعايتها سلوكياً وتربوياً، ولكنها أهملت وتركت بدون خدمات حتى الآن وللأسف". وأضافت إن هذه الفئة تحتاج إلى التشخيص والتدخل المبكر وتقديم تدخل سلوكي تربوي ولا يكتفى بالعلاجات الطبية واستخدام المهدئات فقط، والتي قد تؤدي إلى مشاكل أخرى أخلاقية وسلوكية ويكون تأثيرها سلباً على أمن وسلامة المجتمع، مشيرةً إلى أفضل الطرق المقدمة لتلك الفئة في الدول المتقدمة وهي عبارة عن أسلوب وتدخل علاجي متعدد الأوجه والجوانب، ومن أهمها التدخل التربوي والتعليمي والتأهيل السلوكي والاجتماعي والنفسي بالإضافة إلى الطبي. تجاهل وزارتي «التربية والصحة» غير مبرر أمام أسر تعاني مع أبنائها في المدارس والعيادات النفسية تشكيل لجنة تنفيذية وطنية وأكد "د.صالح محمد الصالحي" -استشاري نمو وسلوك بمدينة الملك فهد الطبية- على أن هناك تفاوتاً كبيراً بين العيادات الصحية المختلفة في التعامل مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ ابتداءً من عيادات الرعاية الأولية والمستشفيات الثانوية إلى المستشفيات المرجعية؛ نتيجة لعدم وجود إجراءات تشخيصية للتعامل مع الاضطراب، إلى جانب قلة المهنيين الصحيين المختصين في فرط الحركة؛ ولذا فإن أكثرهم لا يدرك مدى انتشار هذا الاضطراب وتأثيره السلبي على الطفل وأسرته وأسس التعامل معه؛ فيميل الأطباء خارج المستشفيات المرجعية إلى طمأنة أسرة الطفل المصاب والتقليل من قلقهم حيال ما يعتري طفلهم من مشاكل. وعدّد "الصالحي" أهم المشاكل التي تواجههم كمتخصصين في المجال ذاته، وذكر منها: عدم وجود قوى عاملة مناسبة للأعداد المتوقعة من الأطفال والبالغين المصابين، والافتقار الشديد لبعض التخصصات مثل الأخصائي النفسي العيادي وأخصائي العلاج الوظيفي والتخاطب واستشاريين النمو والسلوك والطب النفسي، بالإضافة إلى عدم وجود برتوكولات طبية معتمدة للتعامل مع الحالات في مختلف مستويات الرعاية الصحية وأدوار كلاً منها، وكذلك عدم وجود دورات تدريبية منظمة ودائمة لرفع مستوى الأداء في هذا المجال لكافة المختصين، وعدم وجود آلية تواصل مشتركة مع المعنيين الآخرين في المجال من جهات حكومية و أهلية و غيرها، مشيراً إلى أن التعاون بين الآخرين يعتمد على مبادرات ذاتية ليست ملزمه بالنظام، مبرراً ذلك بعدم وجود الوقت الكافي الممنوح للمختصين بكافة الجهات للتعاون مع الآخرين، وعدم و جود جهة تنسيق بين هذه الجهات، أو لجنة تنفيذية ذات صلاحية لتسهيل التعاون مع الآخرين، بالإضافة إلى عدم وجود حوافز لتعزيز وتطوير الخدمات. واقترح "الصالحي" من أجل تحسين الخدمات المقدمة لأطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه تشكيل لجنة تنفيذية وطنية لها صلاحيات تشريعية وتنفيذية تتبع جهاز مركزي، مثل مجلس الوزراء، وتشكيل لجان مركزية في كل وزارة لها صلاحيات تنفيذية وصلاحيات التعاون مع الجهات الأخرى تجاوزاً للبيروقراطية المعطلة، واعتماد جميع التخصصات ذات العلاقة كتخصصات نادرة و صرف بدل 20- 25% في الراتب مع وضع رؤيا وطنية للتعامل مع المشكلة؛ آخذين في الاعتبار كافة الفئات المصابة من أطفال ومراهقين وبالغين. أنور الصقعبي المدارس تعاني وكشف الأستاذ "أنور محمد الصقعبي" -مساعد مدير إدارة التربية الخاصة بتعليم الرياض- عن نوع الخدمات المقدمة لطلاب فرط الحركة وتشتت الانتباه في الميدان التربوي، وقال:"أغلب مدارسنا ليست لديها طريقة لتعليم أو نقل التعامل الصحيح مع هذه الفئة ونجدهم في كثير من الأحيان يتخذون مبدأ العقاب لمن يصدر سلوكاً مزعجاً، وبالتالي سينقلب هذا السلوك إذا عولج بالعقاب إلى سلوك عدواني مضاعف". وأضاف:"إن الخدمات المقدمة لهذه الفئة بسيطة جداً وبجهود فردية من المعلمين وإدارات المدارس فقط، وفي رأي أنها غير كافية، بل يجب أن يكون هناك خطة منهجية لكل طالب يعاني من فرط الحركة وتشتت الانتباه تسمى بالخطة التربوية الفردية، والتي تكون مُعدة من قبل فريق متابع لكل طالب، ويشمل هذا الفريق كلاً من (الأسرة، المعلم، الأخصائي النفسي، المرشد الطلابي). وبرر "الصقعبي" قلة الخدمات المقدمة لطلاب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ نتيجة لقلة المتخصص في الميدان التربوي؛ بسبب افتقار الجامعات إلى التخصصات التي تهتم بهذا الفئة، وبالتالي هي مغيبة حتى الآن، مقترحاً للتعامل مع هذه الفئة في الوقت الراهن توحيد الجهود بين البيت والمدرسة، من خلال كتابة خطة تربوية فردية للطالب تأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية بين الطلاب عند تعليمهم وتقييمهم مع تطبيق تقنيات وتعديلات تناسب قدرات وطريقة تعلم كل طالب على حدة، ويعملوا كشركاء مع أسرة الطالب لوضع وتحقيق أهداف معينة ضمن خطة عمل مشتركة ومتابعة التطورات أو المشاكل التي تحدث، وعدم عزل الطالب عن غيره، مع تقديم برامج تحفيز من قبل المدرسة، كما يقترح بشكل عاجل افتتاح مسار تخصص فرط الحركة وتشتت الانتباه في أقسام التربية الخاصة الموجود في الجامعات؛ لكي تخرج معلمين مؤهلين للتعامل مع هذه الفئات بكل كفاءة. د.صالح الصالحي الدعم غائب! وحدد "د.السيد علي سيد" - قسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود- نسبة انتشار اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المملكة -بناءً على الدراسة التي أجريت عام (1996) على مراجعي عيادة الأمراض النفسية بمستشفى الملك خالد الجامعي- (12.6%), وفي عام (2000) توصلت نتائج الدراسة التي أجراها "الحامد" على تلاميذ المرحلة الابتدائية بالمنطقة الشرقية أن معدل انتشار هذا الاضطراب بينهم وصل إلى (16.5%)، وهذا يؤكد أن عدد الأطفال المصابين بهذا الاضطراب في المملكة كبير، ويحتاج إلى توعية وتدخل علاجي وتربوي في مرحلة مبكرة. وقال:"إن المشكلة الكبرى تكمن في أن الغالبية العظمى من الوالدين والمعلمين ليس لديهم أية معلومات عن أعراض هذا الاضطراب، وهذا يعني أن الطفل قد يكون لديه هذا الاضطراب؛ نتيجة لعدم معرفة الوالدين والمعلمين بهذا الاضطراب؛ فإن معاناة هذا الطفل لا يتم اكتشافها إلاّ في مرحلة متأخرة، مما يقلل من نتائج التدخل العلاجي والتربوي له بعد ذلك". وأضاف أن أهم المشكلات التي تواجه الباحثين في تقنين مقاييس تشخيصية على البيئة السعودية -من خلال خبرتي أثناء تقنين مقياس أعراض اضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد على المجتمع السعودي مع الزميلة "د.سحر الخشرمي"- تبين لنا أن أهم مشكلة تواجه الباحثين هي عدم وجود جهة داعمة؛ لأن تقنين أي مقياس على عينة من جميع مناطق ومحافظات المملكة يحتاج إلى فريق عمل كبير، وإلى ميزانية ضخمة لا تتوفر إلاّ من خلال جهة داعمة، والمشكلة الثانية تكمن في وعي الأفراد الذين سيتم التطبيق عليهم بأهمية العمل؛ لأن البعض منهم لا يكون دقيقاً أو أميناً في الاستجابة، مشيراً إلى أن المقياس بعد الجهد الكبير الذي بذل على تقنينه وصرف الأموال الطائلة عليه عام (1427ه) لم يتم الاستفادة منه لتعميمه على المدارس في الكشف عن الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب أو الذين لديهم بعض أعراضه التي تنبئ باحتمال إصابتهم به، وخصوصاً أن الإصابة به تؤثر سلباً على التحصيل الأكاديمي للطفل. د.إبراهيم العثمان أيدينا ممدودة وأكدت "د. سعاد بن عبدالله يماني" -استشارية المخ والأعصاب رئيسة مجموعة دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (أفتا) بمستشفى الملك فيصل التخصصي- على أن دعم المصابين لن يتحقق إلاّ بتضافر الجهود المجتمعية، والمؤسسات التنفيذية ذات العلاقة بفرط الحركة وتشتت الانتباه (وزارة التربية والتعليم، وزارة الصحة، وزارة التعليم العالي، وزارة الشؤون الاجتماعية، ....)، مشيرة إلى أن "اليد الواحدة لا تصفق" أبداً، وهو ما تحملناه في المجموعة طويلاً، كما نبهنا كثيراً بخطورة عدم تدارك أوضاع المصابين في المدارس، وداخل الأسر، والمجتمع عموماً (أمنياً واقتصادياً)، وقدّمنا من خلال المؤتمرات والملتقيات العلمية، وورش التدريب المتخصصة كثيراً من الحلول، ولكن لم نجد "صاحب الصلاحية" الذي ينفذ، ونقولها اليوم وكل يوم "أيدينا ممدودة" لبناء شراكة مسؤولة، وفريق عمل فاعل يخدم هذه الفئة، ويقلل من معاناتهم وأسرهم؛ فكيف يمكن أن نسامح أنفسنا إن أهملنا 15% من أطفالنا الذين يمكنهم بقليل من الدعم والمساندة المشاركة في نهضة بلادنا؟. وقالت:"مهمتنا في المجموعة والجمعية التي تأسست مؤخراً أن نكون صوتاً أميناً ومدافعاً عن حقوق ذوي افتا ودعمهم ليصلوا إلى أقصى قدراتهم"، مؤكدة على أن الجمعية ما زالت تسعى الاستمرار في مشاريعها الهادفة لنشر ثقافة افتا وطرق التعامل السليم مع المصابين به من خلال عدة حزم وبرامج توعية مختلفة، ومن بين هذه البرامج مشروع عبقري الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى رفع الوعي عن افتا بين 35% من أفراد المجتمع من خلال حملة منظمة يطلق عليها مشروع (عبقري)؛ تحتوي على العديد من البرامج والأنشطة، منها تصوير مشاهد وبرامج تلفزيونية تعنى بافتا، وتصميم مطبوعات ومنشورات لنشر ثقافة (افتا)، ونشر إعلانات تثقيفية في الشوارع بالتعاون مع عدد من القطاعات الحكومية والخاصة التي تعنى بخدمة المجتمع، والإعلان في عدد من القنوات الإذاعية والمشاركة في الحملات التوعوية في المدارس والجامعات والشراكة مع عدد من القطاعات التعليمية والأماكن العامة، كما ستستمر الجمعية في برامجها ودوراتها التدريبية للأهالي والتربوين والأطباء لتحسين مستوى الدعم والخدمات التي تقدم لذوي افتا من حيث التشخيص والعلاج، كذلك سنعمل على التواصل مع كافة أفراد المجتمع، وسنستمر في استقطاب أكبر عدد من المتطوعين للعمل مع الجمعية ودعمها للوصول إلى أهدافها. د.سيد علي د.سعاد يماني د.فوزية اخضر