منذ ثورة حسني الزعيم سنة 1949 عرف الوطن العربي ، وعاش المواطن العربي ثورات العسكر وانقلاباتهم، وبدأت الشعوب تتعرف على البيان الأول الذي يذاع بعد ترجل عسكري محدود الأفق والرؤية من الدبابة إلى مقر الإذاعة ، ثم تبدأ مرحلة جديدة في ممارساتها، ونمط فكرها، وأهدافها ، وتدخل الشعوب في مرحلة الأناشيد، ومصطلحات التحرر، والبناء، والوعود بالوحدة العربية، ورفاه الإنسان، واستعادة كرامة الأمة، وتحريرها من الغزو الاستعماري. من البيان الأول لثورات العسكر " كم هم بلداء سطحيون !! " يبدأ الإنسان العربي يتجرع الوعود بالمن والسلوى في العيش ، والحرية في الحياة والرأي والفعل والممارسة، ويبدأ خداعه الغبي بصياغة واقعه ، وصنع مستقبلاته وفق منهج " نحن نفكر عنك " و " نقرر نيابة عن قرارك" وعليك أن تلغي تفكيرك، وعقلك ، وتتنازل عن أدواتك المعرفية والثقافية، وتسقط رؤيتك ، وطموحاتك ، وأهدافك ، وتتحول إلى كائن ضمن القطيع المدجن ، فالتفكير مرهق ومضن وقاتل " !! " لانريده لك ، ولا نشجعك على امتهانه وممارسته ، ونحن نسعى إلى تجنيبك الإرهاق والتعب ، ولانقول المأساة والجنون . لأن هذا قد يحصل للمشاغبين الذين لا يتنازلون عن مشيئتهم في البناء التنموي لمشيئة عقول وأفكار العسكر النهضويين التنويريين، ويرتكبون الحماقات في ممارسة الرأي ، واستشراف المستقبلات . ويتطاولون على مواقع هم أقل منها فكراً وممارسة . يبدأ حكم العسكر في الوطن العربي الذي قام في أساسه بوعود حرية وكرامة الإنسان ، والمحافظة على ثروات ومقدرات الوطن من الفساد واللصوصية والعبث ، وصيانة إرث الجغرافيا ، والفكر ، ومنتج الإنسان الحضاري ، بالانقلاب على كل هذا ، وتحويله إلى هامش في الاهتمامات " الدكتاتورية "، لتبدأ الخطط والبرامج التي تستهدف إلغاء الإنسان، وقمعه ، ومصادرة حرياته ، وتحويله إلى كائن بائس وتعيس، أشبه مايكون بحطام إنسان ، فيلاحق في لقمة عيشه، ويطارد في فضائه اليومي ، وتفاصيل ممارساته العادية لأنه مصنف كعدو أول للوطن، ولأصحاب القبعات الذين يحكمون باسمه، فتبنى السجون ، وتشيد المعتقلات ، والأقبية من أجل هذا المواطن ، وتكثف الدورات التدريبية في فنون التعذيب، والقمع ، والقتل ، والتدمير الكامل لإنسانية الفرد . ليتفرغ البعض من هؤلاء الحكام للسرقة والنهب ووضع اليد على كل موارد الدولة ، ومقدرات الوطن ، وثروات الجغرافيا ملكاً لهم ، ورفاهية لأبنائهم وأسرهم . يجوع الإنسان ويُعرى في هذا الوطن العربي الكبير الغني بثرواته، وتتعطل كل مشاريع التنمية والنمو، ويطغى التخلف الحضاري، والثقافي، والحياتي ، ويكون البؤس عنواناً لكل مضامين الحياة ، ومناحي العيش ، وتتفشى الأمية ، والجهل ، والعجز ، والاتكالية ، والتخلف في الفضاء الاجتماعي على امتداد شرائحه ، وأطيافه ، ويتحول أفراد الوطن جميعهم إلى خدم عند " العسكر الحاكمين " ليكون المجموع في خدمة فئة قليلة كل إنجازها احتلال الإذاعة !!. الآن ، وبعد أن ولد الوعي عند الإنسان العربي الذي كان مسحوقاً، ومعذباً ، انعكس الوضع تماماً فأصبح هو من يقود المبادرة ، ويأخذ بالقرار، وبدلا من ثورة العسكر وانقلاباتهم البائسة، صارت صحوة المواطن العربي في سبيل عيش كريم، وحريات مبهجة . إنه الوعي ، والفكر صارا ملهمين للشعوب، وماحدث في تونس كان إلهام " أبي القاسم الشابي " .