اللافت في حفل الغولدن غلوب الذي أقيم صباح أمس أنه لم ينقل على أي قناة عربية حيث اكتفت قنواتنا السينمائية بإعادة برامجها وأفلامها "المملة" تاركة أهم حدث سينمائي –بعد الأوسكار- يجري من بين يديها دون اهتمام.. وكأن رغبة آلاف المشاهدين العرب ليست ضمن أولوياتها ولتجبرهم بالتالي على ما لابد منه، مواقع الإنترنت، التي وفرت لهم نوافذ بديلة لمشاهدة الحفل على الهواء مباشرة، كما وفرت لهم –عبر منتدياتها- فرصة للنقاش والتفاعل أولاً بأول مع فعاليات الحفل. والأرقام الكبيرة التي سجلتها هذه المواقع من حيث عدد الزوار والمشاركين تجعلنا نتساءل مجدداً عن سبب تجاهل القنوات العربية لهذا الحدث الذي ثبتَ أن المشاهد العربي يترقبه بشدة. لنعد إلى الحفل نفسه.. هل حمل ما هو مفاجئ؟. لا.. كل شيء سار وفق التوقعات المسبقة.. حتى الجوائز نفسها جاءت مطابقة لاختيارات النقاد في أمريكا والتي أعلنوها سابقاً في المجامع النقدية؛ ففيلم (الشبكة الاجتماعية-The Social Network) حاز أربع جوائز غلودن غلوب في نفس الفروع التي فاز عنها في الروابط النقدية على اختلاف اتجاهاتها ولعل آخرها فوزه في حفل "اختيارات النقاد" بجائزتي أفضل فيلم وأفضل مخرج. في الواقع قائمة الفائزين في حفل "النقاد" بالذات تكاد تكون نسخة كربونية عن قائمة الغولدن غلوب ومن هنا جاءت الإشارة إلى أن ما جرى صباح أمس كان متوقعاً ومكشوفاً منذ البدء. لكن يبقى هناك استثناء وحيد، وهو فوز الممثلة آنيت بيننغ بجائزة أفضل ممثلة في فرع "الكوميديا والموسيقى" عن دورها في فيلم The Kids Are All Right متفوقة على المرشحة الأقوى إما ستون التي قدمت أداء ممتازاً في فيلم Easy A. هذه النتيجة مفاجئة وغريبة لسبب بسيط هو أن دور إما ستون يبدو أكثر ملاءمة للكوميديا من الدور الجاد الذي قدمته آنيت بيننغ في فيلم جاد أيضاً يجعلك تستغرب حتى من مجرد ترشيحها هي والفيلم في فئة "الكوميديا".. ولكن أهل هوليود أدرى بشعابها وشيوخ أمريكا أبخص!. اللحظة الأهم –والحميمة- في الحفل هي لحظة تكريم النجم الكبير روبيرت دي نيرو عن مجمل مشواره السينمائي، والفيلم القصير الذي عرض بهذه المناسبة يؤكد قيمة هذا الممثل الاستثنائي. دي نيرو قال لحظة اعتلائه المنصة بأنه محظوظ لأن لجنة الغولدن غلوب أبلغته بالتكريم قبل ظهور فيلمه الأخير السيئ وإلا لعزفت عن تكريمه.. ونحن نقول له اطمئن فمشوارك العظيم في عقدي السبعينيات والتسعينيات يشفع لك عندهم، ورغم الأفلام السيئة التي قدمتها منذ العام 2000 وحتى اليوم إلا أن هذا لن يؤثر في النتيجة شيئاً، فأنت قد استحققت التكريم سلفاً بأدوارك في الروائع السينمائية "سائق التاكسي"، "العرّاب2"، "حرارة"، "رفقة طيبون"، "حدث ذات مرة في أمريكا"، و"صائد الغزلان".رفيق دربه آل باتشينو كانت له صولته في حفل أمس أيضاً، حيث فاز بجائزة أفضل ممثل في فيلم تلفزيوني عن دوره في فيلم (أنت لا تعرف جاك- You Don't Know Jack) والذي قدم فيه أداءً مميزاً لشخصية طبيب يؤمن بالموت الرحيم ويدافع عن حق المرضى اليائسين في اختيار لحظة وفاتهم، وهو فوز مستحق لباتشينو يؤكد من خلاله تميزه التلفزيوني بعد أن حصد الإعجاب قبل سنوات قليلة في مسلسل "ملائكة في نيويورك". وما دمنا في نطاق التلفزيون فلابد من الإشادة بالمسلسل الجديد الرائع Boardwalk Empire الذي استحق الفوز بجائزة أفضل مسلسل درامي، فهذا المسلسل هو النجم التلفزيوني لعام 2010 بلا منازع وهو يكرر ذات الدهشة التي حققها سابقاً مسلسل Mad Men، حيث ينقل تفاصيل عالم السياسة والجريمة في أمريكا الثلاثينيات بنضجٍ يستحق التقدير، ولعل أهم معالم هذا النضج هو أنه جعل من المجرم الأسطوري آل كابوني مجرد تفصيلٍ بسيط في حكايته الواسعة. ومن بين الذين استحقوا جوائزهم أمس، الممثل المميز دائماً كريستيان بيل الذي فاز بجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم The Fighter وقد فازت زميلته في الفيلم ميليسا ليو بجائزة أفضل ممثلة مساعدة. هذا الفيلم احتوى على مبارزة إبداعية في التمثيل بين أبطاله الرئيسيين؛ وإن كان التميز الأكبر من نصيب كريستيان بيل الذي أجاد أداء دور الملاكم المدمن الفاشل الذي فاته قطار النجاح وأصبح عقبة في وجه نجاح أخيه الأصغر، كما أجادت ميليسا ليو أداء دور الأم التي تخشى أن ينجح ولدها الصغير وأن يستقل ويتركها تواجه الفقر والفشل؛ فهو بالنسبة لها مجرد حفنة من الدولارات.هذا تعليقي البسيط عما جرى من وقائع في حفل صباح أمس، لكن هل أنا راضٍ عن النتائج؟. بشكل عام نعم.. لكن في حلقي "غصة" من فوز "الشبكة الاجتماعية" بجائزة أفضل فيلم. نعم هو فيلم جميل ويستحق لكنه -بحسب تفضيلي الشخصي- ليس أفضل من فيلم (البجعة السوداء-Black Swan) الذي قدم فيه مخرجه دارن آرنوفسكي جماليات بديعة على مستوى الشكل والمضمون لا يستطيع التحكم بها وإظهارها بهذا التألق إلا مخرج عظيم، فيلمٌ كهذا لا تكفيه جائزة أفضل ممثلة للمبدعة ناتالي بورتمان، بل يستحق جائزة أفضل فيلم على أقل تقدير.. وبأي حال فكل المؤشرات تقول أنه سيكون أحد أهم مظاليم موسم جوائز 2010؛ هو والفيلمين الرائعين Inception وَShutter Island.