ثقافة الانتخاب تحتاج إلى دعم واسع من المختصين والوسائل الإعلامية المتنوعة؛ فقرار مجلس الوزراء عام 1422ه القاضي بالموافقة على تشكيل اللجان العمالية في المنشآت التي يوجد بها مائة عامل مواطن أو أكثر، لم يفعل بالشكل المطلوب، وتعود أسباب ذلك إلى الفهم المغلوط لثقافة الانتخاب من العامة ورجال الأعمال، بالإضافة إلى قصور وسائل الإعلام عن طرح موضوع الانتخابات، حيث كان الطرح خجولاً ومختصراً، مما جعل النقاش والتطبيق حول الثقافة الانتخابية المجتمعية متوقفاً. مناخ ديمقراطي ويقول «خالد الدوسري» -مقرر اللجنة العمالية في شركة الاتصالات-: يعاني مجتمعنا من ضعف ثقافة الانتخابات، وذلك لعدة أسباب منها عدم وجود مناشط تستدعي تلك العملية، وعدم تعود النشء على المناخ «الديمقراطي» كانتخاب قائد الفصل في المدرسة، أو اللجان الطلابية في المعاهد والكليات، موضحاً أنه مع التطور الذي نعيشه والانفتاح على العالم من خلال وسائل التواصل والمعرفة المختلفة، بدأ المجتمع في التعرف على هذه الثقافة، وإن لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، مضيفاً: «كنا على إطلاع بتجربة المجتمع في الانتخابات البلدية وانتخابات مجالس إدارة الغرف التجارية الصناعية، وانتخابات اللجان العمالية في منشآت القطاع الخاص، ولعلي أتحدث بشيء من التفصيل عن اللجان العمالية كوني أحد الذين عاصروا بداية هذه التجربة، فقد صدر قرار مجلس الوزراء عام 1422ه، بالموافقة على تشكيل اللجان العمالية في المنشآت التي يوجد بها مائة عامل سعودي أو أكثر، ولكون المادة الثانية من تلك القواعد حددت بأن الأمر جائز، فقد تأخرت انطلاقة تلك اللجان لعدم وضوح الرؤية لدى العمال». بدايات خجولة وذكر «الدوسري» أن هناك بدايات خجولة لبعض المنشآت التي قامت بتشكيل تلك اللجان، من خلال اختيار فريق عمل للإشراف على عملية الانتخابات، وكان الإقبال في بداية الأمر في الترشح لعضوية تلك اللجان دون المستوى المأمول، علاوة على ما تلا ذلك من تصويت للمرشحين، حيث كان الطاغي في الدافع للترشح لتلك العضوية هو الاعتقاد بأن هناك كسب مادي أو معنوي، وكان دافع التصويت لهؤلاء المرشحين هو المعرفة الشخصية بغض النظر عن الكفاءة والخبرة. ثلاثين لجنة وأوضح «الدوسري» أنه بمضي الوقت ارتفعت وتيرة المشاركة في اللجان لدى العمال، لشعورهم بمدى أهميتها في التعبير عن صوتهم المسموع لدى رب العمل، ويوجد حالياً ما يقارب الثلاثين لجنة على مستوى المملكة ونأمل في المزيد، مبيناً أن من العوائق التي ساهمت في انحصار اتساع دائرة إنشاء تلك اللجان، هو عدم تسليط الضوء من قبل وسائل الإعلام على هذه اللجان، وكذلك النظرة السلبية الغير صحيحة من قبل بعض أصحاب الأعمال، مشيراً إلى أنه ربما كان من أهم المقترحات لنشر الثقافة الانتخابية لدى المجتمع تسليط الضوء إعلامياً على فكرة الانتخابات، لإبراز مزاياها وتصحيح سلبياتها، والأهم هو الاستمرارية في العملية الانتخابية، وتوسيع دائرة المشاركة، والتي ستؤدي حتماً إلى زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع، ومنحهم الشعور بالمشاركة في بناء وطنهم. ما هو الأنسب؟ حول هذه الأمر تحدث إلينا الأستاذ «إبراهيم بن عبد الله النعيم» -المراقب الداخلي للغرفة التجارية الصناعية بالرياض- قائلاً: الحملات الانتخابية تطبق وفق أنظمة محددة لذلك، وتتم من خلال مجموعة من الفعاليات والأنشطة الإعلامية والإعلانية والدعائية، إلى جانب الترويجية والاجتماعية التي يقوم بها المرشح أو الفريق المخصص التابع له؛ وذلك بهدف تعريف الناخبين به وببرنامجه الانتخابي، للحصول على أكبر عدد من أصواتهم وتأييدهم، مشيراً إلى أن أهمية هذه الحملات تكمن في كونها تعطي الفرصة للناخب ليقرر من هو المرشح الأنسب، والذي يري فيه العناصر والمقومات التي تجعله صالحاً لشغل هذا المكان ليحقق طموحاته، كما أنها تعتبر فرصة ذهبية للمرشح ليوصل رسالته إلى الناخبين ويعرفهم بنفسه للحصول على تأييدهم يوم الانتخاب، ذاكراً أن الانتخاب يتجاوز الفردية، فالجهات الثلاث (المنشأة وأهدافها والمرشح الناخب)، هي التي تحدد أهداف الناخب التي يتم تسليط الضوء عليها من خلال الإعلام بكافة أنواعه، وهو المحرك الرئيسي لها. إيجابيات وعوائق وأوضح «النعيم» أنه غالباً ما يكون التقييم بحسب نسبة حجم التعامل والتفاعل مع الانتخابات، سواء من ناحية نشاط المرشحين، أو تفاعل الإعلام أو نسبة الناخبين، ولعلنا شاهدنا بعض الفعاليات الانتخابية في الغرف المحلية والمجالس البلدية، مضيفاً: «من أبرز إيجابيات الانتخابات هو اختيار الناخبين للمرشحين القادرين على تمثيلهم، بالإضافة إلى سهولة الاتصال والتواصل مع المرشحين وتبادل الأفكار والآراء»، وعن معوقات الثقافة الانتخابية قال «النعيم»: عدم تقدير أهمية الحملة الانتخابية من قبل الكثير من المرشحين، والتأخر لدى عدد من المرشحين في تخطيط وتنفيذ حملاتهم الانتخابية، بالإضافة إلى عدم الاستعداد المبكر، إلى جانب قلة الخبرة أو عدم الإلمام بأهمية الإعلام والإعلان لدى بعض المرشحين، وعدم وجود خلفية جيدة للكثير منهم بأهمية تصميم حملة انتخابية لهم، مشيراً إلى أن هناك تداخل وتشابك في البرامج الانتخابية بين المرشحين، يفقد التركيز لدى الناخبين؛ نتيجة للجهل التام بنظام وقواعد المنشأة أو المجلس البلدي، وكذلك عدم وجود مكاتب إعلامية واستشارية متخصصة بتقديم خدماتها الإعلامية والإعلانية للمرشحين. البعد عن الشخصنة واقترح «النعيم» عدة حلول أهمها: التركيز على أهداف المنشأة والبعد عن «الشخصنة»، وعدم التعصب، مع الحرص على التطوير والمشاركة الإيجابية، وضرورة الإلمام والمعرفة ببرامج الناخبين، مبيناً أن لوسائل الإعلام دوراً كبيراً في نشر الحقائق والمعرفة والحرص على الحيادية بين المرشحين، لتقليل الإثارة بين المرشحين.