ثقافة «الانتخاب» للتعبير عن حق الفرد في تقرير مستقبله، وربما مصيره، أو انتخاب من يثق بهم لتلبية احتياجاته؛ هي من أبسط احتياجات الشعوب المتحضرة اليوم، كما أنها وسيلة التغيير للأفضل غالباً، وتزرع روح المنافسة والمساواة لتحصد الحضور الواعي أمام المتغيرات والمغريات، بما يضمن مجتمع خالٍ من التشوهات، أو الحساسيات المفرطة بين أطيافه. إن الحاجة اليوم إلى «ثقافة الانتخاب» ليس ترفاً؛ لأن كل عملية تتصل بالشأن الاجتماعي العام تظل معرضة لمختلف الآراء التي لا يمكن الإجماع عليها، إلاّ من خلال الانتخاب والتصويت الجماعي من أفراد المجتمع، فطريق الوصول إلى إجماع عام في أمر ما بين الجماعة يتعذر تحققه بخلاف الأسلوب الانتخابي؛ فهو الوحيد الذي يعكس إرادة كل فرد من الجماعة في ذلك الشأن. ضمن هذا الإطار ثمة حاجة حقيقية في مجتمعنا إلى التعريف بثقافة الانتخابات في كونها الأداة العقلانية الوحيدة لإدارة الاختلاف في الشأن العام. من خلال «التحقيق الموحد» نستعرض العديد من نماذج وتجارب التطبيقات التي مرت بها بعض مؤسسات المجتمع؛ للتعبير عن تلك الثقافة، فمن انتخابات المدارس إلى انتخابات الأندية الأدبية، إلى انتخابات الغرف والمؤسسات التجارية، إلى الانتخابات البلدية، كانت هناك تجارب بعضها بدأ متعثراً، وبعضها حقق نجاحات هنا وهناك، ومن خلال تلك التجارب يؤكد هذا التحقيق أن إشاعة ونشر ثقافة الانتخاب بين أفراد المجتمع لا تزال ضرورية، وأنه مهما بدت من «نوازع» الاختلاف التي تنشأ عن العلاقات التي يخضع لها المجتمع نتيجة للعادات والتقاليد؛ أو من العصبية القبلية والمناطقية، كعقبات تحاول باستمرار إعاقة العملية الانتخابية؛ يظل ذلك تحدياً ضرورياً للتغلب على تلك العقبات وتجاوزها بالمزيد من التركيز على أهمية ثقافة الانتخابات، وهناك نماذج ذكرت في التحقيق تستحق أن يبنى عليها للاستفادة من إيجابياتها وتطويرها في التجارب الأخرى.