أثار فكرة المقال هذا سماعي لطفل صغير في المرحلة الابتدائية وهو ينشد هذا النشيد : أنا أحب بيتنا لأن فيه جدنا وفيه أمي وأبي وفيه أختي وأنا وجارنا نعزه كأنه أخ لنا والنشيد ليس في حاجة لأن يشرح أو يوضح أكثر مما هو واضح ، وموافقته لطبيعة العلاقات الأسرية والاجتماعية بينة، ولم تشدني فيه غرابته فهو ليس بغريب المعاني في مجتمعنا فكل أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا تؤكده ، ولكن شدتني مضامينه وسهولة أدائه ومتعة الإحساس المتولد من سماعه ، والإحساس الصادق عادة يخالط الأفئدة والمسامع والمدامع ويجبرها على الاستجابة . والتعليل في المحبة شيء ضروري ، والنشيد قدم التعليل على هذه المحبة ، فبيتنا لا يعدو أن يكون طين وتراب وحجارة وأخشاب، لا يعني لنا شيئا بدون وجود روحه النابضة داخله بالحياة، من آباء نعزهم وأجداد نبر بهم ونقدرهم، وهذه الروح هي من يسكنه، وهم الأسرة، ومن يجاوره من أهل البلدة والحي الذي تسود الألفة بين أفراد مجتمعه ، لا مكوناته الجامدة فحسب، وكم من بيوت هجرها ساكنها فهجرها اهتمامنا وقلوبنا وانصرفنا عنها لأنها أصبحت خاوية من نبض الحياة . يقول الشاعر في ليلاه أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا وهذا تعليل أيضا يستقبله المتلقي بالقبول ، فليست الجدران وحدها بقادرة على تكوين عاطفة ومحبة ورابطة تشدنا إليها إلا إن سكنتها ذكريات طيبة. والشعراء توجدوا على العلاقات التي جمعتهم مع جيرانهم وأصدقائهم وأفراد مجتمعهم في الماضي والحاضر ومع أهلهم تحت مظلة التراحم والتعاون والتعاطف وطيب الأفعال . يقول الشاعر : فرحان العنزي وهو شاعر له حضوره المتميز مما يتضح من أبياته وقصائده وفي ثناياها جزالة اللفظ وقوة المعاني يذكر في مقدمتها كمدخل الإشادة والمديح لابنته ( هند ) وهو في بعض قصائده يسند عليها ، ونعم الأب عندما يشيد بابنته ويرفع من قدرها فكل أهل الطيب يرفعون قدر من يتعامل معهم فكيف وهي ابنته أو ابنه أو قريبه، وفي ثنايا القصيدة ومضامينها تنزف الحسرة على ماض انحسرت شمسه وحاضر يرجو محاكاته لأمسه، وينثر ذكرياته التي أشعلت في وجدانه حنينه إلى الأمس وفي قلوبنا أيضا الإحساس نفسه فيقول. يامرحبا ياقرة القلب والعين يانور عيني يابقايا ضواها من الذهب (ياهند فرحان) تسوين وزن الجبال اللي رفيعٍ حجاها حتى قال الله يا أيام مضت لو تعودين نفسي تبيها والليال تعصاها قارنتها باالوقت الأول وذالحين وحنت لها روحٍ تزايد عناها رسمتها من عام خمس وثمانين راحت سنين وخاطري ماسلاها الله على بيتٍ لنا خابرة طين في حارةٍ مادنس الغدر ماها الله على ذيك الغرف واللياوين محلا برودتها ومحلا دفاها ياجا المطر نرقى على السطح عجلين نفتح مرازيم الغرف ونتباها الله على جيران ابوي القديمين ذيك الوجيه اللي كثير حلاها الله على جيران ابوي العزيزين اللي على الصاحب قليلٍ جفاها نياتهم حلوة وللجار حلوين تعتز حرمة جارهم بقصراها الله على صدقان ابوي الوفيين أصحاب شدات الزمان ورخاها الله على صدقان ابوي الحبيبين لاشافوا الخملة حديهم رفاها ماهم على زلات الأصحاب شفقين لياجتهم العوجا تبين قداها هاك الوجيه الطاهرين النقيين لودارها درب الردى مالقاها مافيه أمل ترجع هذيك الدياوين؟ وهاك الرجال اللي كرام لحاها؟ حتى قال واليوم ياوقتي تبيبي الياوين؟ ادخلتني غبات بحرٍ تطاها رجعتني لوجيه ناس غريبين ناسٍ تزوك انفوسها من عياها فيهم قليل من الرجال المسمين اللي تزبن بالوزى من نخاها وفيهم كثير من الرجال المساكين لوهي رجال مسنعتها نساها رجالهم لوله من الوزن طنين ريشة هوى يلعب بها من لقاها ياشفتهم تقول وش ها البعارين لاشك عند الحمل تسمع رغاها