قبل زمن قرأتُ زاوية ماتعة للزميل فهد السلمان، عنوانها " سياحة المحاضرات " تصوّر نفسه يحجز مقعدا من حائل إلى الطائف ، مع ما يرافق عملية الحجز وتأكيد الحجز والتأخير والعودة والسكن والمواصلات ، فقط لحضور " محاضرة " ضمن برنامج سياحي دُعي مع غيره لحضوره في أحد المناشط التي أُدخلت ضمن نشاط سياحي . ووصف أحد الحكماء كلمة محاضرة بأنها : انتقال المعلومة من مفكرة المحاضر إلى – ربما – مذكرات الحضور دون المرور بأدمغتهم .. ! . المحاضرة ، الندوة ، الإيجاز ، كلمات حديثة في عالم النقل والإفصاح ، ولم تكن معروفة في شبه الجزيرة والخليج إلا منذ عهود قريبة . وأذكى رجال استغلوا واستثمروا المحاضرات هم الرؤساء السابقون لدول الغرب، وأخص أمريكا، فقد قرأنا أن كلينتون له " تسعيرة " وترتفع حسب أسعار الصرف العالمية . وبلير كذلك ، ولا يفوتني ذكر كيسنجر . لو نظرت إلى هذا الكم الهائل من المحاضرات والندوات بالإضافة إلى الندوات التوعوية اللاتي ترافق مسيرة المجتمع تجد المادة والأسئلة نفسها منذ ثلاثين عاماً , لا السائل يفهم ولا المحاضر أو الواعظ يمل من التكرار، وأكاد أجزم أنك لو سألت أحد عامة الناس لماذا يرتاد تلك المحاضرات لما وجدت عنده إجابة . ومن طرائف ما نسمعه عن كلمة " محاضرة " أنها صارت تُستعمل بديلا عن كلمة التوبيخ أو التأنيب القاسي . فقد يقول المرؤوس مثلا إنه تلقى " محاضرة " من رئيسه عن سوء تصرّف أو إهمال . وقرأتُ طرفة عن فائدة النوم أثناء المحاضرات .. ! . ففي إحدى الجامعات في كولومبيا حضر أحد الطلاب محاضرة مادة الرياضيات وجلس في آخر القاعة ونام بهدوء وفي نهاية المحاضرة استيقظ على أصوات الطلاب ونظر إلى السبورة فوجد أن الدكتور كتب عليها مسألتين فنقلهما بسرعة وخرج من القاعة . وعندما عاد إلى البيت بدأ يفكر في حل هاتين المسألتين، كانت المسألتان صعبتين، فذهب إلى مكتبة الجامعة وأخذ المراجع اللازمة وبعد أربعة أيام استطاع أن يحل المسألة الأولى وهو ناقم على الدكتور الذي أعطاهم هذا الواجب الصعب . وفي محاضرة الرياضيات اللاحقة استغرب أن الدكتور لم يطلب منهم الواجب فذهب إليه وقال له يا دكتور لقد استغرقت في حل المسألة الأولى أربعة أيام وحللتها في أربع أوراق.. تعجب الدكتور وقال للطالب ولكني لم أعطكم أي واجب ، والمسألتان اللتان كتبتهما على السبورة هي أمثلة كتبتها للطلاب للمسائل التي استعصى على الكثير حلها .