في فندق «الرويل» بعمان قالت لي الشاعرة والكاتبة الكبيرة الدكتورة سلمى الجيوسي وعلى حين غرة وبشكل مفاجئ: مبروك: قلت باعتيادية عاجلة على ماذا قالت: «الرياض»: وذهلت قليلاً في الاستيعاب فقالت مبروك فوز جريدة «الرياض».. أحسست بارتباك ونشوة متزامنين.. بارتباك لأنني لم أستوعب سريعاً صدى حدث بالسرعة، المناسبة، وبالنشوة أن ناقدة كبيرة وشاعرة مهمة في أدبنا العربي في الخارج تنوه وبشكل فرائحي بفوز «الرياض». لم أكن في الواقع أنوي أن أكتب عن فوز الجريدة لأني جزء منها، وخيط في نسيجها وكأنني حين امتدحها أو ابتهج علناً بعرسها فكأنني أمتدح وابتهج لنفسي بنفسي ولكن الدكتورة سلمى ايقظت في داخلي نشوة أخرى وانفعالاً آخر وهو أن أعبر عن فرحي بطريقتي ليس من باب المديح أو المجاملة وإنما من باب الزهو والافتخار بمطبوعة تخوض غمار الريادة بتفوق وإصرار.. * * * في ذلك البهو البارد أخذت الدكتورة سلمى تتحدث وظللنا نتحدث على ضوء «الرياض» وكأنها ضوء نار المحلق التي يقول فيها الأعشى: تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندي والمحلق وبات على نار «الرياض» الحديث الذي يشجيك ويغريك ويدفيك وتتمنى ألا ينقطع!! وكنت لحظتها أنظر إلى «الرياض» كمن يشرف على حقل واسع مرت به سحابة وسمية، فتركته مشرعاً للريح والشمس، والسنابل وحبات المطر، والأجنحة، وشغف العصافير إلى حب البيادر.. وجريدة «الرياض» هي الحقل الواسع البيهي هي اللوحة التي انقش فوقها حرفي، وهمي وتعبي.. والكتابة فوق ورق «الرياض» بالنسبة لي عمل مدهش يدخلك في حالة من الزهد فيما تكتب، لأنك تريد أن يخترق صوت الكلمة الفضاء المسكون بالاعتيادي.. تريد أن تقول الأجمل، وتكتب الأجمل.. وكأن «الرياض» حسناء عليك أن تغريها.. ليس فقط «بلوازم الإغراء المعهودة» وإنما بالفروسية والشجاعة.. أي أن تمارس كل قدراتك الكتابية في حماسة، واحتراق.. فحينما تصبح في مواجهة مع ورق «الرياض» فأنت تواجه الأغراء والتحدي معاً، فيقدر ما أن «الرياض» عاشقة هي في الوقت نفسه صلفة ومغرورة، ولا تقبل بالمجانية أو النعومة أو الارتخاء.. هذا هو شعوري على الأقل فل «الرياض» شخصية خاصة، وهيبة خاصة، صنعها جهد خاص، وجمهور خاص، عبر مرحلة طويلة من العشق، والامتزاج، والتماهي، ذلك بطبيعة الحال ما يجعلها جريدة خاصة وبامتياز.. وإلا فكيف تلاقي هذا التبريك والاحتفاء من ناقدة كبيرة عاشت جل عمرها خارج السياق الصحفي النمطي العربي، لولا ما ل «الرياض» من وهج، وبهاء يجعلها مكان الحفاوة والاحتفاء من النقاد الكبار، وأنا حين أتحدث عن "الرياض" لا أبارك لنفسي ولا لتلك القيادة والصفوة الرائعة من العاملين المبدعين بها وإنما لأقول إن «الرياض» بنت عشاً للنسر فوق هامة مجد صحفي شامخ ورفيع.. فراحت تحلق في فضاءات بعيدة بعيدة.. وراح صوتها يسافر أيضاً بعيداً بعيداً.. واسألوا أهل النباهة والذكر الثقافي!. والنقاد الكبار..