حضرتُ مؤتمراً علمياً قبل فترة في المملكة المتحدة وكان أول ما لفت انتباهي هو مقر المؤتمر، استاد النادي الرياضي المشهور بمدينة المؤتمر. فكيف يعقد مؤتمر علمي يحضره بضع مئات فقط في ملعب رياضي؟ الإجابة ببساطة هي أن ذلك الاستاد ليس مجرد ساحة لعب، بل هو مقر لعب ومقر مؤتمرات وندوات وسوق مصغر للأدوات الرياضية والترفيهية وغير ذلك. وهو مثال لكثير من المقرات الرياضية الحديثة في العديد من دول العالم. السؤال هنا لماذا لا تتحول الملاعب لدينا إلى كيانات اقتصادية استثمارية سواء تلك التي تتبع الأندية أو الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟ لماذا نصر على أن الملعب دائرة حكومية يجب أن تبنيها الحكومة وتظل تصرف عليها؟ لماذا ولمدة تجاوزت العشر سنوات ونحن نتحدث عن استاد رياضي بجدة ولم نستطع بناءه حتى اليوم؟ لنأخذ استاد الملك فهد بمدينة الرياض كمثال لجمود تطوير الملاعب الرياضية لدينا. افتتح استاد الملك فهد بالرياض عام 1988م وذلك بالتزامن مع دورة الخليج لكرة القدم التي أقيمت بالرياض آنذاك، وقدرت كلفة إنشائه بحوالي 460 مليون دولار. ومنذ ذلك اليوم وهو مجرد ملعب كرة قدم للمباريات المهمة التي تقام بمدينة الرياض سواء مباريات المنتخب السعودي أو مباريات الاندية، لم يحقق أي دخل اقتصادي للرئاسة العامة لرعاية الشباب بل إن ما يصرف عليه سنوياً في مجال التشغيل والصيانة يعتبر مبلغاً كبيراً بالقياس الاقتصادي لمنشأة رياضية يفترض أن تدار بعقلية اقتصادية تدر ارباحاً مجزية. لم يحدث للاستاد أي تطوير في العملية الإدارية الاقتصادية من ناحية تحويله إلى أكثر من مجرد ساحة لعب. بل إن المنطقة المحيطة به كذلك لم تتطور كثيراً من الناحية العمرانية وأصبح البعض يزور منطقة الاستاد خارج أوقات اللعب للجلوس في البراري المحيطة به وعدم تطوير منطقته بيئياً وجمالياً وعقارياً. هذا الوضع ينطبق على بقية الملاعب السعودية التي لم تُدر كمنشآت اقتصادية ذات إمكانات استثمارية حيث يتحول معها الملعب إلى مقر ثقافي ومقر تجاري في نفس الوقت. كان بالإمكان تطوير استاد الملك فهد بحيث يحوي مقرات المتاجر التي تعنى بالمنتجات الرياضية بمختلف أنواعها، ومقرات محاضرات ومعارض ومطاعم وترفيه متنوعة يستفاد منها بتأجيرها تجارياً، وبالتالي تحويله من مجرد ساحة لعب مكلفة إلى منشأة رياضية تجارية ثقافية مربحة، تسهم على أقل تقدير في تكاليف تشغيلها وصيانتها، إن لم تحقق أرباحاً مجزية، مثلها مثل غيرها من المنشآت المماثلة. هذا الأمر يبدو أنه صعب الحصول عن طريق الرئاسة العامة لرعاية الشباب بصفتها جهة حكومية تكبلها التوجهات البيروقراطية التي تعيق التوجه الاستثماري لديها، لذلك ربما يكون من المناسب إيكال إدارة الملاعب الرياضية إلى شركات عن طريق منافسات تجارية مجزية، سواء كانت شركات مشغلة أو شركات مستأجرة ومطورة للملاعب. هذا التفكير أراه مهماً، وفكرة انشاء ملعب رياضي حديث بمدينة جدة يتعثر عاماً بعد عام، حتى إن الدولة توجهت إلى إيكال المهمة إلى شركة أرامكو غير المتخصصة في هذا المجال. ومثل استاد جدة لماذا لا توكل ملاعب الأندية والمناطق إلى شركات مطورة لها استثمارياً؟ الفكرة الرئيسة هنا ليست فقط في التوجه نحو فكر الخصخصة بل هي كذلك للبحث عن التطوير المنشود للمقرات الرياضية بمختلف المناطق، فمن غير المعقول أن يكون عمر أفضل ملاعبنا الرياضية يزيد على عشرين عاماً ولازال أشبه بخيمة منصوبة في وسط الصحراء ليس فيها حياة سوى خلال ساعات في الشهر تلعب فيها المباريات الكبرى، وفترات إغلاقه تفوق فترات استخدامه بكثير..