شيءٌ ما غير مرئي يحرّك خلفية لوحات سامية الحلبي الفنانة الفلسطينية المقيمة في نيويورك، شيءٌ غامض يحرّض على الثورة ويشدّ المخيّلة نحو الضوء، نحو البنفسجي القاتم والأزرق العميق. معرض الحلبي الجديد في غاليري «أيام» في وسط بيروت مغزول بالمعاني العميقة، لوحات تزهو بألوان الطبيعة المشرقة، أشكال هندسية متفاوتة الأحجام لكنها في حالة انسجام داخلي قائم على موضوع أساسي هو الأرض الأم، الأرض التي رحلت عنها الفنانة المقدسية قسراً عقب النكبة وهي لا تزال مراهقة في عمر الأربعة عشر عاماً. داخل لوحات الحلبي ثورة وقوة تظهر في تمازج الألوان داخل وحدة تجريدية خالصة، أوراق زيتون وعوسج وسنابل قمح هي قضية وهوية الفنانة، «صبار الليل» «الرعد يقيس الفضاء» « خيزران»... هي عناوين لوحات تقدّم من خلالها احتجاجاً ضمنياً على حال شعب يختزن مسيرة وجع وشتات. دويّ المأساة المتوارية خلف الخطوط الناصعة تظهر في المربعات والزوايا الحادّة، متأثرة بالتجريد الهندسي لقبة الصخرة، لوحات تنبش في الرأس تُخرج عنف المكبوت والمدفون من الذاكرة تحت التراب الأصلي، وتضع المتفرّج أمام تقاطعات واسعة هي أفق موعود في غالبية الأعمال. مسيرة الفنانة النضالية معروفة، وهي التي خاضت العديد من المعارك لتكريس الفن الفلسطيني في بلاد المهجر، قادت الحملة العالمية للتحريض على رسم الزيتون بأسلوب تجريدي، بهدف دفع الفنانين إلى رسم شجرة في كلّ لوحة كلما اقتلع الصهاينة شجرة من أرض فلسطينالمحتلة. كما عملت الحلبي على مجموعة من الملصقات تصوّر مراحل من مأساة فلسطين الممتدة على مدى 60 عاماً، ووثّقت مجازر كفر قاسم ودير ياسين وغيرها إضافة إلى معرض «صنع في فلسطين» الذي أقامته في أحد أهم المتاحف الأميركية ونالت أخيراً الجائزة الأولى في طهران. يضمّ معرض سامية الحلبي في بيروت تسع لوحات ضخمة من آخر أعمالها 2009- 2010 ويستمر حتى 27 نوفمبر الحالي، كما يضم مونوغراف ضخم بعنوان «سامية حلبي/ خمسون عاماً من الرسم والإبداع» يحتوي على كرونولوجيا لتجربتها الرائدة داخل التجريد العربي والعالمي. أقامت حلبي معرضها الاحترافي الأول عام 1964 في هاواي، ثم في القاهرة سنة 1971، و تتالت معارضها في عواصم مختلفة. هجّرتها النكبة إلى لبنان ثم الولاياتالمتحدة الأميركية حيث درست الفن وهي اليوم تدرّس في عدّة جامعات أميركية مرموقة.